مقهى جليل في الشواكة |
قرب سوق الشواكة، وقرب زوايا تتراكم فيها رؤوس الاسماك و اذنابها، وفي نهاية شارعين من زقاق عتيق يختلط فيه القديم المتروك بالجديد المشوه تترامى مقاعد من البلاستك الاخضر ومناضد شاخت عليها دمغات من شاي كالدم عمره ايام ونادرا ما يمسحه ذلك الشيخ المحني الظهر من الكبر.. جليل، رجل كبير معتق في العمل، ملابسه لا تعكس فقرا بل عدم اهتمام، ولحية بيضاء كلحية لوحة الرجل الفارسي الذي يدخن النارجيل و التي غزت المطاعم من سنوات، وشماغ جنوبي وعشق لام كلثوم التي يذيع اغانيها ولا تصمت الا وقت رفع الاذان للصلاة.. جليل يبيع الشاي منذ مايزيد على الثلاثين عاما ولا يعمر معه مساعد سوى ابنه هادي الذي اكلته الحرب فهو عصبي كفلاح منعوه الماء فخشي على محصوله وظهره من سوط اقطاع! لاينبعث منه شعور عطف الا اذا وجدك منفردا ليبث لك ثقافته الاجتماعية الشاكية و سياسية شكوكة تعكس حكمة المتشائم لما حصل وسيحصل في البلاد.. جليل دائم التنقل بين زبائن شبه دائميين لمقهاه الفقيرة، وفيهم كل تنويعات العراق و اعماره، لكنه يكره ان يحمل لك اكثر من شاي، فبعد الشاي الثالث يبدي استغرابه من طلب المزيد وبنبرات عصبية عالية ثم يقرر ان يغلق ليرتاح من الناس! ليس للمقهى اسم، وليس المقهى الا غرفة متراكمة الاشياء فيه وخيوط العناكب تضيف لها مسحات من تاريخ اخرس لكنه تاريخنا جميعا. شيوعيو المقهى واسلاميوه يلعبون”الطاولي” وسط”الله بالخير” التي تتردد بلكنات العراق و اكثرها البغدادية التي تشارف على الانقراض! ضباط من ايام الاخوين عارف و موظفون اقدم وشهود على شخصيات حكمت العراق هم زبائن هذا المقهى، هم اشبه بمخلوقات تعيش في دجلة القريب القديم، زحفوا منه او زحفوا اليه، لا فرق، لكنهم اختاروا المقهى ليقضوا الساعات و الايام قرب عجوز تشكل اقداح الشاي ثمارا لاصابع يده اليمنى! ابو عصام و ابو علي و ابو نادية و ابومحمد و القاضي و المحامي و المدرس و المعلم و اللاجئ و عامل الكهرباء و النجار موفق و ناصر السماك والشيخ والسيد وكل مار له مكان ونبرة صوت ومعلم ملبس في مقهى الشيخ وحتى المراة لها مكان في مقهاه، لكنها مراة وحيدة ترادف الفقر و العوز تمر لتشرب شايا وتمضي محملة بالمساعدات. لجليل قطة تحن اليه دون ان تفهم لم وكيف تتقرب اليه وهو يكتم ابوته و حرمانه من مساعدة تعدل صلبه المقوس، قطة جليل لا تاتمر الابامره ويعلم بذلك كل الاصلاء من زبائنه. ان غضب او مرض جليل، عاش الشارع علة الفقدان و خفتت وانطفات الاضواء، حينها فقط لن تسمع″ في امان الله” بل تكتشف ان جليل هو من الناس الذين تأخرت في معرفته وتحن اليه رغم انه لا يحن عليك او هكذا يريد!. |