هل نسيتم اسود الانتفاضة ؟ |
ليس من طبعي ان اقفز على اي موضوع من سقفه متخبطاً بين تفاصيلة ودهاليزه المظلمة , بل اعتبر ان للكل قضية بدا وعقدة ونهاية كما القصة او الرواية , ولكل شكوى اسباب ومعطيات تدفعنا احيانا لقول مالايصلح قوله, وان كذب فريق وفريق يشتمون , فقد بات واضحاً ان خصومنا بعد السقوط اكثر دهاءاً وسفالة ممن كانوا قبله وبصحبتهم كمية لاباس بها من المتخبطين والحمقى من ذوي العقول المشوشة, ومن الخائفين الكثير, بدأوها بفوضى وقتل وتفجير واستمرت بخلق مشاكل وعقد ومزايدات ,صعب على بعض الضعفاء والمترددين التصدي لهم او ايقافهم عند حدود الحق والصواب, وكل هذا كان ممكن ان يحدث وفق مبدأ العدالة , فليس من المنطق ان نترك ملايين الضحايا السابقين والشهداء وابناءهم وننشغل بافرزات مشاكل جديدة خلقها البعض وراح يصرخ .. الظليمة, الظليمة, من قوم جاءونا بالاحتلال ودمروا حياتنا وافقدونا السيادة والاستقلال!.
قبل فترة تحدثت سيدة ناشطة في حقوق الانسان عن سياسة الدولة في التعامل مع ذوي الضحايا والشهداء والمهجري بعد السقوط!! , وفي ثنايا كلامها الحق الذي ارادت به باطل ان تقول بان حكومتنا تراعي ضحايا النظام السابق فقط!! , ذكرتها وكأنها عار على الدولة ان ترعاهم " يابه شنو اهل ضحايا النظام السابق اولى بالتعيينات " ومع عدم قناعتي بهذا القول فضلا عن وقوعه , لكني اتسائل , اين المشكلة ان تعوض الدولة ابناء من عاشوا 40 سنة في القهر والجوع والتهميش! ضعوا تحت كلمة التهميش ثلاثة خطوط حمراء, ولماذا الان اصبحوا خارج نطاق الانسانية التي تتباكى عليها هذه الناشطة, ومن له المصلحة بان يبقى المعذبون سابقاً على حالهم وعلينا فقط مراعاة من تضرر الان !!.
هل كان ابي مخطأً حين حارب النظام البعثي وقُتل او هرب او غيبته ظلمات المقابر الجماعية! هل كان خائناَ حين تركني عرضة للخوف والجوع والحرمان, لانه اعلن رفضه للحكم الجائر, وهل العدالة تقتضي؟ ان يعوض ويعين ابن الضابط السابق والمدير السابق والمسؤول السابق والرفيق السابق لان اباه كان مطيعاً وخاضعاً ذليلا للنظام واستطاع ابنه اكمال الدراسة بامان وحرية ورفاهية ليكون مهندساً اواستاذاً اوتكنقراط ولابس ارباط وقندره, وانا ابن الشهيد المحروم والجائع والامي والمظلوم طوال هذه السنين ان اكون خارج اهتمام الدولة وجمعيات حقوق الانسان ونشطائها! اي عدالة عوراء هذه التي لاتبصر الجميع.
مرت علينا هذه السنة ذكرى انتفاضة الشعب العراقي في الجنوب عام 1991 ضد الحكم البعثي , وسط اهتمام اعلامي عراقي خجول وبسيط لايرقى لمستوى هذه الثورة التي اسقطت هيبة النظام البعثي وايقظت الغافلين والنائمين والركع السجود للنظام العفلقي, ونقلت ادوات الصراع الى ساحات المواجهة الحقيقية والتحدي الكبير لأكذوبة قوة السلطة وسيطرتها , وقد استبسل الكثير من شبابنا الابطال في محاربة ازلام النظام وزبانيته في سوح الوغى وسقطوا في طريق الحرية , وكعادتنا في الشرق ان نكرم الموتى بالخطب الرنانة ونترك الاحياء وان نهلل للشهداء في مجالس تأبينية وننبذ ذويهم وابنائهم ونتركهم عرضة للجوع والحاجة, هذه الثورة المجيدة التي نهضت فيها 14 محافظة في الوسط والجنوب والشمال ضد اعتى نظام دكتاتوري عشائري طائفي ,واستطاع العراقيون فيها اذلال حكومة البعث ودفع اغلب قياداتها لارتداء الملابس النسائية للخروج من اوكارهم سالمين, هذه الثورة يريد لها البعض ان تُطمر كغيرها من صور التضحيات التي قدمها ابناء العراق ابان الحكم البعثي , ولكن لماذا؟ ,اعتقد ان السبب بات معروفاً لكل ذي بصيرة ,لان اغلب المتصدين للعمل السياسي الان لادخل لهم ولادور في تلك الثورة وابرازها يعني كشف تاريخهم " النضالي" المزيف الذي يدعون! .
ليس هذا فحسب بل مانراه اليوم هو تجاهل واضح وكبير بحق ابطال الانتفاضة الشعبية ,الاموات منهم والاحياء الذين تشردوا بسبب موقفهم الثوري الخالد والذي سجل انعطافه مهمة وكبيرة في تاريخ العراق المعاصر , ولم يقتصر هذا التجاهل على المماطلة في سن قوانين تعيد لهذه الشريحة المظلومة بعض من حقوقها , بل وممارسة الطعن بها من قبل البعض واعتبارهم خارجين عن القانون ويحتاجون الكثير من الادلة لاثبات وطنيتهم وانتمائهم ,في الوقت الذي نرى المساعي الكبيرة لبعض الكتل والاحزاب لاعادة وتاهيل قتلة الشعب العراقي من البعثيين الكبار واجهزة القمع الصدامي وفدائيي صدام باعتبارهم جزء من الشعب وكبادرة لاثبات حسن النوايا! اما ابناء الانتفاضة فليسوا جزء من الشعب العراقي لانهم ابتعدوا عن العراق فترة طويلة! وسقط حقهم بالتقادم , ثم انهم لم يفخخوا ولم يقتلوا ابناء جلدتهم ليفرضوا شروطهم على الحكومة فايّ منطق يحكم الاشياء في العراق الجديد!؟.
في لقاء مع السيد المالكي "خارج المألوف" * بين بان شرارة الانتفاضة انطلقت بفصيل من مجاهدي حزب الدعوة في الاهوار, بمعنى ان الثورة في الاساس تعود للحزب الذي يقود البلاد الان , وهذا دليل على ان ابناء الانتفاضة الشعبية في العراق اشتركوا في المشروع الجهادي الوطني الذي تبناه الحزب عبر الكفاح المسلح ضد حزب البعث اي الاهداف والنوايا واحدة , فلماذا هذا التجاهل ؟ علاوة على ان اغلب من في السلطة الان , من اعضاء حزب الدعوة والمجلس الاعلى والوفاق وغيرهم كانوا ضيوفاً دائمين في معسكري الارطاوية ورفحاء لتسجيل اسماء العراقيين هناك لاغراض لايعلمها الا الله والراسخون في جمع الدعم المادي والمعنوي من دول العالم!! فهل تحول هؤلاء؟ من ابطال يستحقون عناء الذهاب اليهم في الصحراء الى أناس مشكوك بهم ولاحقوق لهم , ولايعرف المسؤولون كيفية معالجة مواقفهم القانونية في الوضع الراهن , فهل هم سجناء سياسيين؟ ام هم محتجزين , ام مهاجرين؟ ام مهجّرين ؟ ام ماذا بحق السماء؟ الان فقط لايعرف احد موقعهم من الاعراب بعد ان كانوا الرصيد الثمين الذي ارادوا له البقاء في جحيم الصحراء ليحلب بعضهم ابقار الخليج وغيرها باسمائهم وعذاباتهم. |