حديث القلم

 

كان القلم دائما وابدا صوت الحق وباعث الكلمة ورمزا للقوة والالهام ومفجرا للطاقات وكاشفا للزيف والفساد وكل مواطن الزلل ومكامن الخلل، وظل القلم كما كان راسما يرسم به الانسان أفكاره على جدران الكهوف ويعبر به عن خلجات نفسية ومشاهداته ودقات قلبه وما تجود به القريحة شاهدا على العصر وسطور التاريخ. القلم كلمة الانسان وصوت الضمير وهو المنار الذي يهتدي به الاخرون ومدونا لكل الاحداث على مر الزمن وشاهدا على العصور لا يهاون ولا يجامل ما دام بيد امينة لذلك اصبح هدفا مستمرا للطغاة والعتاة وجهال الاقوام وانصاف المتعلمين وهواة الهراواة وعبدة الرصاص والبارود. علمنا القلم ما لا نعلم وما لا نفهم وترجم احلامنا وخطواتنا وعبر عن مشاعرنا واهاتنا وخيالنا وثورات انفسنا وتمردنا.. وظل القلم منذ الازل بيد صفوة المجتمع وكلمة القدوة ومهبرا عن الريادة، لا صوت النخبة ولا الطبقة او الفئة او من يريد التغريد خارج السرب او الحالمين بالجاه والكراسي، هواة الزنازين ودوي المدافع وعبدة السلطة. القلم عصارة الفكر والروح وهو تجسيد لقضايا الانسان وعصارته ابدعت وزخرفت ولونت الكتب والمجلدات والدواوين والدفاتر والصحف على مر التاريخ وهذه العصارة ارث يحق لنا ان نفخر به، فقد انار طريقنا وهذب نفوسنا ووجه مقود حياتنا وميز لنا الخطأ والصواب. ظل القلم محافظا على سلاسته وهو ينساب على الورق بيد العلماء والادباء والمفكرين والمثقفين وكان يمثل الكلمة التي لا يعلو عليها صوت، الا انه استغل من اياد أخرى واصبح طوع بنان البعض من كتاب التقارير والمخبرين وما سمي الاكتاف وملمعي الصور الباهتة، والذين يبحثون عن دارهم معدودات بواسطته. ومع كل هذه الصورة الحزينة قليلة الوزن، والتي تعيش على الهامش بقي القلم محافظا على معدنه الأصيل ودواة حبره الثمينة ليرسم الحقيقة كما هي وليصور عظمة الطريق القويم في كل زمان وعصر. القلم الشريف كان دائما وابدا عدوا للفساد ومقوما للاعوجاج والاخطاء وراع للابداع وناشرا للعلم ووسيلة للتواصل الثقافي واملا لكل المجالات والميادين وصوتا قويا يقرع أبواب الظلم والاستبداد. وكان القلم اقوى من السيوف وجبروت الجلادين وسياطهم ووقف بوجه البارود والرصاص وفي منازلات كثيرة انتصر القلم وكشف عورات الفاسدين وبصم على مؤخرات الكثيرين تواقيع الذل والعار، ودفع بالطارئين لمزابل التاريخ لانه نبراس الأمم والشعوب وصوت الحرية والعدل والمساواة. لا خيرة في قلم لا يؤشر الحدث ولا يقول الحقيقة ولا ينصر المظلومين، ولا جدوى في قلم لا يتحدث باسم المحرومين ولا يمس الام الناس ولا يكون بلسما شافيا لجراحهم، ولا يبحث عن الحرية والامل المنشود. وبارك الله في قلم لم ينكسر وظل بعيدا عن نشر الغسيل القذر والتصيد بالماء العكر، واكل السحت الحرام والتلون مع الأوقات ومحاباة من هب ودب. كل الحب والتقدير لكل قلم مجاهد ومرابط لم ينثلم رغم ظروف الألم والجوع والمعاناة والعوز وظل صامدا لم يجف حبره على مر الزمن.