رحلة إلى باكو ليتها لم تتم ؟ |
على إرتفاع سبعة وثلاثين الف قدم حلقت طائرة الخطوط الجوية العراقية المتجهة الى باكو وفي أقل من ساعتين حطت على ارض مطار حيدرعلييف الدولي، كانت الطائرة تحمل على متنها أكثر من مئتين وسبعين راكباً أغلبهم يحملون الجنسية العراقية وقلة من جنسيات أخرى، كنت مع مجموعة سياحية في سفرة أمدها ثمانية أيام، شعرت بالحماس لمشاهدة أذربيجان وهي أحدى دول القوقاز، ربما لأنها المرة الأولى التي أقرر فيها التوجه الى منطقة القوقاز في أوراسيا التي تعد مفترق الطرق بين أوربا الشرقية وأسيا الغربية. توقفت الطائرة البوينغ 777 وفتحت الأبواب بدأنا بالخروج، ولسوء حظي كنت جالساً في المقطع الأخير من الطائرة التي تستوعب أكثر من 450 راكباً وبحكم فضولي المهني أنتبهت على طريقة تصرف من هم بعمر الشباب بين 25 الى 35 سنة فهؤلاء متحمسون مستعجلون، بعضهم وقف قبل أن تتوقف الطائرة نهائياً لأنهم تعلموا في العراق سباقات السير في الشوارع العامة وسباق الحصول على البنزين وقت الأزمة وسباق الظفر بقنينة غاز وقت الأزمات أيضا وغيرها من السباقات الماراثونية التي تَعود عليها شعبنا طوال أكثر من عقدين ونصف مضت، ولأن الصورة هذه مطبوعة في أذهانهم فهم يتصورون إن العالم كله شبيه بوضع العراق. خرج الجميع من الطائرة وبعد إنجاز إجراءات المطار التقليدية وجدنا ممثلين عن أصحاب الشركات السياحية بأنتظارنا في القاعة الخارجية فذهبت كل مجموعة الى شركتها وهكذا هوالحال حتى وصولنا الى الفنادق المخصصة، في الطريق تكتشف فورا أنك في بلد يحترم مواطنيه، شوارع سلسة، حدائق غناء وعمارات شاهقة، يأسرك المنظر الممتد من المطار الى حيث تستقر، يوم أول مشجع، برنامج الرحلة يبدأ من اليوم الثاني، دارت الأيام مسرعة وأنتهى البرنامج الذي كان معظمنا يود أن لاينتهي، فالأجواء ربيعية باردة، والأسعار رخيصة الى حد ما، الطرق مذهلة بطولها وعرضها ودقة تزفيتها، الحدائق الغناء في كل مكان، ورد من كل الألوان تصطبح بستنشاق عطره، والاهم من ذلك كله جمال الروح والجسد، اذا شئت أن تتنقل في باص عام وانت بعمري مثلا سرعان مايبادرك أحد الشباب للجلوس محله، لا أحد هناك (يَنصبُ) عليك، مدينة هادئة شعبها مسلم ومسالم متصالح مع نفسه، في أكثر الأماكن زحاماً لم أسمع ضجيجاً كما هو الحال عندنا، في الشارع يندر أن يتجرأ السائق بأستخدام بوق عجلته ( الهورن )، كان بودي أن أجد كيس نايلون واحدا يتطاير في الجو كما تعودنا أن نرى مهرجانات الأكياس المتطايرة مع كل هبة رياح سريعة، لأقول مع نفسي في الأقل إن الموضوع خارج حدود أمانة بغداد العتيدة التي بفضلها تحولت العاصمة وأحياؤها الى أكبر (مزبلة نفايات) في التاريخ الحديث. من شدة غيظي وحنقي على الفارق بين نمطين من الحياة هنا وهناك، كانت دموعي تتساقط لوحدها دون أرادتي، كنت أسال صديقي في الرحلة لماذا لا تكون بغداد مثل باكو، وبغداد حاضرة الدنيا فيما باكو لا تملك من الأرث الحضاري ما يجعل متحفها الوطني الذي يذهلك شكله الخارجي والداخلي لبراعة تصميمه على يد سيدة العمارة الحديثة العراقية المرحومة زها حديد، أعجابي ليس بما وضع من أواني وصور وسيارات بسيطة في المتحف، أنما بالمسة المعمارية الهندسية التي يلتقطها نظرك في معظم الأبراج المنتشرة على طول وعرض العاصمة.
كل شئ أصبح جميلا هناك وكل شئ تَسودُ صورته هنا في بلدي الذي قل فيه الأحترام وتلاشت الأخلاق وتساوى المعلم والطالب ونهب المال العام وفقد الأمن، في اذربيجان شعب مسلم ايضاً مثل شعبنا وحكومة مسلمة لكنها ليست كحكومتنا. هناك تترسخ القيم الأخلاقية ومعاني الدين ، وهنا تترسخ قيم الفساد والسقوط الى الهاوية، لنا الله. |