الزعيم والكرد ونوروز |
يوم 28/7/1958 أي بعد أسبوعين فقط من انبثاق ثورة 14 تموز الخالدة التي قادها الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم صدر الدستور المؤقت الذي ورد في المادة الرابعة الفقرة (ب) منه ان العرب والكرد شركاء في هذا الوطن. هذه الفقرة التاريخية فتحت آفاقا جديدة وفاعلة في تاريخ الاخوة العربية الكردية في هذا الوطن الشامخ وعندما فرغ البرفيسور والفقيه القانوني الشهير الدكتور عبد الرزاق السنهوري واللجنة التي ترأسها هو في كتابة الدستور توجهوا الى مكتب الزعيم وبيدهم مسودة الدستور المؤقت.. فاستقبلهم الزعيم بحرارة وهنأهم على سرعة انجاز ما كلفوا به على ضوء احدث وارسخ القوانين الدولية وعلى رأسها القانون الفرنسي غير ان العلامة السنهوري قال له بلهجته المصرية: كلوا تمام يا سيدي الا ان ما يشغلني حقا في هذا الدستور هو كلمة (شركاء) الواردة في الفقرة (ب) من المادة الرابعة منه وهنا قاطعه الزعيم الأمين قائلا: ولماذا الاعتراض على كلمة (شركاء)؟ قال له السنهوري: ان الشراكة وراءها فك الشركة أي انتهاء العلاقة بين الطرفين لكن الزعيم قاطعه بحدة ملموسة: لا.. لا فهذه الشراكة ابدية فلا غنى للعرب عن الكرد ولا غنى للكرد عن العرب طالما ضمن حقوقهما القانون والدستور وعوملوا في ضوئهما كمواطنين احرار ومتساوين في الحقوق والواجبات لذلك.. لا خوف على مستقبل الاخوين في هذا الوطن وهكذا جاءت كلماته مفحمة لاعتراض الفقيه القانوني الشهير. ولأول مرة بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 تقر حكومة عراقية بيوم 21 اذار من كل عام عيدا للشعب الكردي بصورة رسمية.. اذ تعطل فيه الدوائر الحكومية ليكون في مقدور المواطنين الاحتفال والاحتفاء بعيد نوروز عرس الطبيعة وكرنفال الألوان وموسم الفرح لم يسم الزعيم نوروز باسمه بل سماه عيد الشجرة وذلك تلافيا لاي سوء فهم محتمل يؤججه أعداء الوحدة الوطنية من شوفينيين وبعثيين وقوميين وكانوا متكالبين في وقتها للانقضاض على الثورة وزعيمها وشعبه. وفي اول عيد لنوروز او الشجرة بعد الثورة زرع الزعيم الشهيد شجرة وحيا الشعب الكردي مهنئا له بعيده وحيا العراقيين بهذا العرس الطبيعي ولو قلبنا صفحات التاريخ وعدنا الى الوراء قليلا لوجدنا النوروز او النيروز محتفى به في عاصمة الخلافة الراشدية الثانية.. الكوفة عندما تقدم بعض الكرد من اهل العراق بحلوى الى امام المتقين علي بن ابي طالب عليه السلام فاستطاب طعمها وقال: ما هذه فأجابوه ان هذه حلويات النوروز فقال الامام لهم: اذن نوروزنا كل عام لم ينههم امام الامة الأكبر عن الاحتفال بهذا اليوم الجميل ولم يمنعهم بل شجعهم على الاحتفال به كل سنة كان هذا موقفه من هذا العيد الجميل.. وكان بيده يومئذ امر اهل الأرض جميعا. وروت لنا الحاجة خولة القيسي (ام هديل) ابنة شقيقة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم القصة التالية: كانت الحرب في كردستان على وشك ان تبدأ نتيجة اضطراب الأمور هناك وتشجيع بعض الضباط الشوفينيين لاثارة القلاقل ضد الكرد كنت في عام 1961 طالبة في المرحلة الثانوية عندما ابلغني رئيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية في وقته الأستاذ مهدي الحافظ (الدكتور والوزير والنائب لاحقا) بان هناك مظاهرة طلابية سوف تنطلق من ساحة التحرير عبر شارع الرشيد وتنتهي امام وزارة الدفاع يشترك فيها معظم مثقفي العراق والشرائح الوطنية والديمقراطية لغرض تقديم مذكرة لسيادة الزعيم بعنوان (السلم في كردستان) والعمل على عدم نشوب القتال بين الكرد والحكومة العراقية في وقته وحقا والكلام لايزال للحاجة خولة القيسي أبلغت الطالبات في الإعدادية المركزية للبنات من زميلاتي بذلك للتهيؤ للمشاركة في التظاهرة السلمية وتعد انطلقت التظاهرة من ساحة التحرير ووصلنا بعد نحو ساعتين من المسير الى وزارة الدفاع.. وصار الرأي يومها ان اقدم انا المذكرة الى المسؤولين في باب وزارة الدفاع وعندما وصلنا رأيت العميد الشهيد عبد الكريم الجدة آمر الانضباط العسكري ومعه مجموعة كبيرة من رجال الزعيم هناك وعندما وقع بصره علي استغرب الامر وقال لي وانا اقدم له المذكرة: (اشجابك ويا هذوله؟) فقلت له انني جئت مع أعضاء منظمتي اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية فتسلم المذكرة مني ووعدنا بعرض المذكرة امام سيادة الزعيم ثم انفضت التظاهرة بهدوء شديد وبصورة حضارية ونظامية منضبطة وفي اليوم التالي ذهبت الى بيت خالي الكبير الحاج حامد قاسم وبينما انا هناك علمت بمقدم خالي الزعيم عبد الكريم فقلب فخفت ان يكون غير راض عني بسبب المشاركة في التظاهرة وعلى حين غرة وبمجرد ما عرف الزعيم بوجودي هناك طلب ان يراني فتقدمت الى الغرفة التي كان يجلس فيها مع خالي الكبير وانا ارتجف خوفا وهلعا من ان يؤذيني لكنه بمجرد ان رأني ابتسم فخفف من روعي ثم قال لي ببساطته المعهودة وفي حنو شديد: تعالي بابا هاي شنو البارحة طالعة مظاهرة؟ فأجبته وانا مطرقة: نعم جئت مع اتحاد الطلبة؟ فقال: لماذا؟ فقلت: لمنع الحرب مع الكرد فقال لي مطمئنا: اطمئني خالوا سوف ابذل ما في وسعي لعدم حدوث حرب هناك . وقبل أيام روى لي شخصيا عميد الادب الكردي البروفيسور د. عز الدين مصطفى رسول بان الأستاذ مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان قال له مؤخرا في لقاء خاص بخصوص الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم ما يلي: نحن أسرة الملا مصطفى البارزاني وعشيرة بارزانية وشعب كردي ممتنين للزعيم عبد الكريم قاسم الى الابد.. وهو خير من حكم العراق. |