أوراق التملق ودروع المجاملات

 

نتشرت مؤخراً في الأوساط الثقافية، وفي ظل الإستنبات الثقافي وظواهره الغريبة التي نعيشها بعد أحداث التغيير (الديمقراطي) ، ظاهرة جديدة أثارت حفيظة الكثير من المثقفين، ألا وهي توزيع الشهادات التقديرية الورقية أو الكارتونية، والدروع الزجاجية (أبو الألفين دينار في المتنبي)، ما يسمى ب (درع الإبداع)، لا بل حتى طال الانتشار المجال الاليكتروني وتحت مسميات (نوبل) وغيرها من المسميات.الظاهرة المنتشرة أثارت شبهات فساد كثيرة، فأغلبها لم يمنح على أساس المهنية والتفوق والإبداع، بلّ على أساس الإخوانيات والعلاقات الشخصية والمحسوبيات فقط (اللواكة)؛ لغرض كسب ودّ ورضا المسؤولين الفاسدين وتلميع صورهم والتغطية على عيوبهم وفشلهم، فضلاً عن الوقت والجهد والأموال المهدورة في إقامة فعاليات التلميع، ومن الأمور المضحكة التي تصدم جدار ذاكرتي قيام أحد الموظفين بتكريم زميله الموظف، وتم نشر الخبر في الصحف والوكالات والمواقع الاليكترونية، كما تم تخليده على أنه حدث أو ظاهرة ثقافية لا تتكرر إلا كلّ مئة. تلك الجوائز التي شملت كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية  تفتقر إلى أبسط المعايير التي ينبغي أن يكون التكريم على أساسها، ولذلك فإنها لم تعد ذات قيمة و لم يعد أحد يبالي بها، بعد أن خرجت عن إطار أهدافها المرجوة في أشعال المنافسة الشريفة بين المبدعين، بل إنها تحولت إلى عامل إحباط لدى الكثير. إنّ الكثير من المثقفين والمبدعين  الفعليين لم يقبلوا ان توضع أسمائهم في تلك القوائم المشبوهة التي لم تخضع معايير علمية أو ثقافية، لاسيما وأنها ضمت المئات من الطارئين، منتقدين دور المؤسسات الحكومية؛ لأنها لم تفِ بتكريماتها لذوي الجدارة والاستحقاق، مما أدى بدوره إلى  فتح المجال لتلك المؤسسات في أن تأخذ هذا الدور الذي أصبح ظاهرة سلبية. ونلاحظ أيضاً آثار هذه الظاهرة في منظمات المجتمع المدني، فتلك المنظمات تمنح الدروع الزجاجية الرخيصة والشهادات لبعض المسؤولين والأشخاص الميسورين لغرض كسب دعمهم المادي، بالإضافة إلى المنافع الشخصية الأخرى.. إن  معظم مكتبات شارع المتنبي تحوي شهادات ودروع من الخشب أو الزجاج أو النحاس تغطي فعاليات العراق إلى أبد الآبدين .. كما إنها توزع بشكل اعتباطي؛ لأرضاء للمسؤول وهو يمارس جزءً من قيادته أو سطوته، من خلال منحها إلى المشاركين. ما نتمناه من المسؤول، أن يكون تقييمه أكثر نضجاً وشفافية، وأن يذهب الإستحقاق لصاحب المنجز الحقيقي لكي يسعد به بالفعل؛ لأنه نتاج ثمرة تعب وجهد حقيقيين، وأن تذكر أسباب التكريم.وكيف يسمح (المبدعون) لأنفسم بأن يتلقوا ورقة وهم يبتسمون أمام الكاميرا ، بلّ ويتباهى قسم منهم فينشرها على صفحته الشخصية على الفيس بوك فقط لغرض تلقي التهاني والتبريكات! وبحسب توقعات أصحاب الرأي من المثقفين، فمن المحتمل أن توزع الشهادات التقديرية على المشاركين في مجالس العزاء (الفواتح)، أما المشيعين و الدفانين فسيشمـــــلون بدروع الإبــــــداع الزجاجـــــية، وهكذا سيكون حال الثقــــــافة العراقية .. مترعة حدّ التخـــــــمة بالسلبيات وللتخلص من هذه الظاهرة السلبية، لابد على الأدباء والفنانين والمثقــــــفين أن  يرفضوا تسلم أية ورقة يطـــــلق عليها شهادة (تخديرية) نعم ؛ لأنها تخدر الفكر والعطاء والإبداع، ورفض تسلم أية زجاجة أو خشبة تخضع تحت مسمى الإبداع أو التميز وما إلى ذلك، فقيمتهم أعلى وأرفع من ذلك.