الثري المجنون |
كيف يمكن لاحد اثرى اثرياء الارض، يترك وراءه كل ثرائه ليعيش في كهف؟. ليس بسبب التذمر من السعادة التي توفرها الاموال الضخمة، بل لغاية في نفس يعقوب يكون مؤادها زعزعة الاستقرار في المناطق التي ولد وترعرع فيها. انه يترك الفلل الضخمة في شواطئ الريفيرا، واليخوت الراسية على موانئ الكوت دازوا والسيارات ذوات المقابض الذهبية على ابوابها، ومقاهي ومطاعم الشانزلزية وعطور جيفنشي وازياء ايف سان لوران والمروحيات التي لا تجعله ينتظر ساعات طويلة على طرق الارضية فيفضل طرقات الفضاء، وتنشق الهواء العليل في البحيرات السبع والتلذذ بشواء الاسماك والخراف في المنتجعات، انه يترك كل هذا لكي يطلق العنان للحيته المشوهة مع ارتداء دشداشة لا يغسلها مرة كل شهر اذا توفر الماء والصابون ويأكل الاعشاب الجبلية والهندباء والخباز القريبة من الكهف الذي لا يستطيع ان يغادره الا لماماً خشية من ان تصطاده طائرة بدون طيار في جبال افغانستان التي لا شيء فيها سوى الصخر الذي يتراكم بعضاً فوق بعض اه لو كنت املك عشر ما يملك لفعلت اشياء لم يفعلها حتى بطل رواية دونكيسشوت ومافات سرفانتس حين كتبها، وسأحقق كل احلامي الوردية، وسأوزع على الفقراء المحتاجين بدلاً من ان اعطيهم كلاشنكوفاً بل اقدم لهم رغيف خبز مدهوناً بالزيت. ثروة مالية هائلة جناها من شركاته ذوات النفوذ الواسع في عالم البناء والعقارات، تكدس الدولار فوق الدولار فأنجب خزائن لا تعد ولا تحصى وهو ليس بالشيخ المسن لكي نعذره حيث لا تكون له قدرة اضافية على الحياة وسعاداتها، في اقل من منتصف العمر، حيث تكثر الحاجة الى الرفاهية!. هذا الذي اسمه ابن لادن الذي ترك ملذات الدنيا لكي يسكن في قعر جبل عقيم لا يورث سوى الحصى يتراكم بعضه فوف بعض، ويبعث بأسلحته وافكاره لكي تزلزل الارض تحت اقدام ساكنيها فيذوقون العذاب جراء فكرة يتمنطق بها تدعو الى الشقاق والنفاق و التجارة بالترياق حيث يقتل الاخ اخاه والاب ابنه والابن اباه لكي تتزلزل القيم السمحة التي تربوا عليها على مدى قرون عديدة، وفي اخر الامر تكالب عليه صانعوه فاردوه قتيلاً في عقر داره الذي لجأ اليه بعد ان ذاق الهوان في الكهوف والجحور.
اكتب هذه الكلمات وانا اسمع صوتاً ينبعث من بيت الجيران لاغنيته شاعت قبل عقود تقول مغنيتها: صيدلي: يا صيدلي يا صيدلي بدي دوه الها وبدي دوه الي. نعم ايها الصيدلي نحن بحاجة الى دواء يقضي على امراضنا وارجو ان لا يكون دواؤك حبة اسبرين وحسب، بل نحن بحاجة الى كافة انواع المهدئات والمسكنات لكي نبلعها دفعة واحدة مع عصير الثوم الذي يقولون ان به فائدة كبيرة للقلب، فلقد تعبت قلوبنا وزكمت انوفنا من رائحة الثوم! |