الرياض وواشنطن: نهاية شهر العسل!


جاءت موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون يجيز لذوي ضحايا اعتداءت الحادي عشر من أيلول/سبتمبر مقاضاة السعودية لتثير مزيدا من التوتر في العلاقات بين البلدين التي تعاني أصلا من الجفاء والبرود. وردت السعودية بلهجة غير مألوفة على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير الذي اتهم الكونغرس الأمريكي بإلغاء الحصانات السيادية ما يعني تحويل القانون الدولي إلى "قانون الغاب" على حد تعبيره. القانون الذي صدر بإجماع الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين و حمل عنوان "العدالة ضد رعاة الإرهاب" ينطوي على اتهام السعودية بدعم وتمويل الارهاب. صحيح أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقوم على الأرجح باستخدام الفيتو ضد القانون وسيحول دون دخوله حيز التنفيذ، إلا أن صدور القانون بحد ذاته يؤكد مجددا التحول في الموقف الأمريكي تجاه أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة. ويأتي هذا التحول على خلفية تطورات جديدة في السياسة الأمريكية في الولاية الثانية للرئيس أوباما والتي أثارت حفيظة القيادة السعودية التي أقدمت بدورها على تغيير نهجها 180 درجة.
تحالف على مضض
"الأمور معقدة" هكذا لخص الرئيس الأمريكي أوباما رأيه بالعلاقة الشائكة مع المملكة المحافظة في تصريحات نسبتها اليه مجلة "ذي أتلتينك" والتي اعتبرها كثيرون بمثابة الوصية السياسية لأوباما في ختام رئاسته. وتبين التصريحات مدى الاختلاف بين الحليفين في طريقة الحياة و القيم والمبادئ التي تحمكهما. وبالتأكيد فإن هذه الرسالة تلقتها السعودية بقلق، خاصة وأنها جاءت بعد الصفقة النووية بين الغرب و إيران والتي ترى فيها السعودية إعطاء طهران الضوء الأخضر لكي تتمدد في المنطقة. وفي ظل هذه المخاوف انتقلت القيادة السعودية الجديدة فورا إلى مرحلة الهجوم بهدف إحتواء إيران وحلفائها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق. بيد أن هذا النهج التصعيدي لا يلقى حماساً أمريكياً. فقد أكد أوباما أثناء حضوره قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض في أبريل الماضي بأن لا مصلحة لأحد في خوض نزاعٍ مع إيران. صحيح أن الرئيس الأمريكي حاول طمأنة حلفائه الخليجيين العرب مشيرا إلى وقوف الولايات المتحدة إلى جانبهم ضد أي تهديدات إيرانية، لكن الزيارة لم تنجح، كما يبدو، في تبديد البرود بين الطرفين.
النفط الصخري: حجر عثرة جديد
يأتي تعثر العلاقات الأمريكية-السعودية على خلفية الزيادة المطردة في استخراج النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة الأمر الذي جعلها في مقدمة منتجي الطاقة في العالم. وترافق ذلك مع تراجع في اعتماد الاقتصاد الأمريكي على النفط القادم من الشرق الأوسط. وترى القيادة السعودية في ذلك سببا للانكفاء الأمريكي عن المنطقة. وهذا ما يفسر الإصرار السعودي على التمسك بمعدلات إنتاج النفط العالية رغم انهيار الأسعار منذ منتصف 2014. وتأمل السعودية بأن تدني الأسعار سيؤدي إلى إزاحة الانتاج الأمريكي من المنافسة. وبالفعل سجل النفط الصخري مؤخرا تراجعا معينا في الإنتاج وفي حفر الآبار ، ولكنه يبدى تماسكا غير متوقع وقدرة على التأقلم مع الأسعار المتدنية الأمر الذي يدفع الخبراء للتنبؤ بأن الانتاج الأمريكي سيعود للارتفاع مرة أخرى ابتدءا من عام 2017، ما يعني ضمنيا فشل الاستراتيجية النفطية السعودية في هذا الجانب على الأقل. ولهذا تفكر القيادة السعودية بخيارات أخرى للرد على قرار مجلس الشيوخ.

التهديد ببيع الأصول المالية: سيف ذو حدين
لوح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عدة مرات بأن مقاضاة السعودية بسبب اعتدءات 11 سبتمبر سيدفعها إلى بيع سندات الخزانة الأمريكية وحصصها في شركات أمريكية والتي تقدر قيمتها بحسب مصدر أمريكي بنحو 120 مليار دولار، يضاف إلى ذلك الاحتياطيات الأجنبية التي تحتفط بها السعودية لدى البنك المركزي الأمريكي. ولو أقدمت السعودية فجأة على طرح أصولها المالية الضخمة للبيع فإن ذلك سيحدث بالتأكيد هزة في سوق الأصول والسندات الأمريكية. لكن مثل هذا القرار السياسي ستكون له تبعات اقتصادية أكبر على السعودية التي ستتتكبد خسائر كبيرة نتيجة التراجع المتوقع حينها في أسعار هذه الأصول، هذا إضافة إلى تأثيره على التصنيف الائتماني للمملكة. ولهذا فإن تنفيذ التهديد سيزيد من تفاقم الأزمة المالية للسعودية بسبب تدني أسعار النفط.
لكن هذا التهديد يؤكد مجددا بأن العلاقات الأمريكية-السعودية أشبه بزواج منفعة، إذ لا تزال واشنطن بحاجة إلى تعاون حليفتها الرياض في ملفات كثيرة وفي مقدمتها سوريا والحرب على الارهاب. غير أن التعاون لوحده غير قادر على إعادة الدفء إلى هذه العلاقات.