سلاما على طرقات بغداد المتورمة

الشمس تشرق كل يوم ، فهي قديمة جدا ، لكنها لما تشرق على بغداد فأنها تتجدد في كل يوم ، لأستقبال الحياة بثوب أحلى وأبهى ، تشرق الشمس على بغداد كي يعم السلام والامان والاطمئنان ، فأن أمنت بغداد أطمئن العالم كله ، من مشرقه حتى مغربه ، ولم لا فبغداد نقطة الاصل لكرتنا الارضية ، وبغداد هي الفاروق و الكرار ، وهي الرشيد وأبو تمام والجواهري ، هي العلوم والاداب والفنون ، هي الاخلاق والمروءة والشهامة والنبل والبسالة والقيم ، وهي حاضرة الدنيا وحاضنة الخلق أجمعين على مختلف أشكالهم والوانهم الزاهية البهية .ما أبهى صباح بغداد ، وأنت تشرب قهوتك الصباحية و تستمتع بصوت فيروز الملائكي ، أو أنت تقدم باقة ورد لمن تهوى وتحب ، أو أنك تشم رائحة الخبز المشوي بتنور الفخار من سطوح جيرانك ، أو أنك تتنفس رائحة ورد الرازقي  مختلطة بعبير الشبوي المنبعثة من حديقة دارك ، أو أنك تمر بدرابينها القديمة الضيقة الممتلئة بعبق التاريخ الانساني .تلك هي بغداد التي عرفناها وتشبثنا بتراب أرضها الطاهر ، وتلك هي قصة السلام الساكن في قلوب البغادة أجمعين .بغداد الدافئة النابضة الحقيقية ، مثيرة للخوف والجدل ، مثيرة لأسئلة كثيرة ، جدلية العشق بين بغداد وأهلها ، تجعلها واقعية ، وتجعل الكثير من الناس على قيد الحياة ، رغم قساوة الدهر عليهم ، فهم يستمدون نبض الحياة من بغداد الامل والشمس المشرقة .لقد أضحى لون الدم الاحمر القاني وشما يطرز أرصفتها وشوارعها منذ أن أستوطن الورم الخبيث لأحفاد رعاة البقر أرض العراق ، ليبيد صباحات بغداد الى عتمة ، ويسحق ببساطيل الشاذين والمتخنثين ، ورد الشبوي والنرجس وشقائق النعمان ، ويريق دماء الانسانية على أرضها الطاهرة ، في كل وقت وحين . كم انا ذليل ويتلبسني العار كلما شاهدت الكائنات جميعا تعيش بأمان وتأكل بأمان وتغفو بأمان ، ونحن نتصارع بصخب ، كم أشعر بالذل وأنا ارى الامم المتحدة تصدر بيانا يمنع ختان البنات ، ونحن أغتصبنا رجالا ونساءا وما من بيان صدر ، نحن ذبحنا ولازلنا نذبح من الوريد الى الوريد ، وما من قرار صدر ، لقد ارتوت ارض العراق من دمائنا أكثر مما ارتوت من دجلة والفرات ، وما من تنديد صدر .الوقت يمر ثقيلا جدا ، محشوا بلا جديد ، عدا أصوات جعجعات المتصارعين والمتقاتلين على نكاح بغداد ، وقد أستعصت عليهم وعلى غيرهم ، فبغداد لا زالت باكرا في كامل عذريتها ، وهي اليوم في حالة طمث ، وقريبا سوف تغتسل ، وتحتضن في رحمها نطفة طاهرة ، ومؤكدا أن يخرج الحسين مجددا شاهرا سيفه ، يقارع المارقين والسارقين والناكثين والقاسطين والمزورين والفاسدين وناهبي قوت الشعب ، وستكون طفــــا أخرى ، كي يستقيم دين الله على الارض . آه .. من هذا الزمن القاسي ... آه ... من وجع العقل المتورم من خلايا الخراب والدمار ... يا وجع الذاكرة المتعبة  الممتلئة من الموت ، قبل أن تموت واقفا ، وقبل أن تسقط جثة هامدة مكتملة المعالم ، أبتسم ، وأرسم في قلبك النابض سحرا ربيعيا يبعث في بغداد الامل ويعلم الاخرين قيمة الوطن ، وعشق الوطن ، أعتق كل ذكريات اليأس والالم ، وأبعث في روح من حولك الامل بحياة جديدة ، وترقبا جديدا للاحلام ومواسم العشق ، فما أحلى العشق في درابين بغداد .خفف من وطأة قدمك ، وأمش على أصابعك كي لا تؤذي طرقات بغداد المتورمة بجراحات بساطيل الغازين ، وأذنابهم خفافيش الظلام ، وأخفض من صوتك ، كي لا توجع بغداد ، التي أوجعتها طبول الحرب التي قرعت وما زالت تقرع في كل زمان ومكان ، كي لا نقدم الزهور لمن نحب ، ولا نستمتع بفنجان قهوة الصباح على صدى صوت فيروز ، وربما لا نشم ألا رائحة البارود والموت والخراب المنبعثة من بيوتات الفقراء.سلاما لك بغداد ... يا وطن الحرب و شلالات الدم التي لا تنتهي