عندما تتدهور قيمة العمامة والعقال !

من سخرية القدر، أن يُحكم العراق (كما يفترض) بيد أئتلاف اسمه (أئتلاف دولة القانون) ، المنبثق من حزب الدعوة لسنوات طويلة ، حتى تفتت القانون على يده الى درجة التلاشي ، وأنتكس القضاء انتكاسة تاريخية منذ أيام (حمورابي) ! ، وأضاعَ هذا الأئتلاف ما تبقى من مقومات الدولة ، وخرجنا بحصيلة بلا دولة ولا قانون ، وتحول البلد الى غابة تتقاذفها الوحوش التي (تغتنم أكل لحمنا) ، كما قال الأمام (علي) ، هذا يذكّرني بأسم (الديمقراطية) الذي خُلع على أسماء بعض الدول زيفا وسخريةً ، كألمانيا الشرقية ، وليبيا والكونغو وكوريا الشمالية ، وهي أبعد ما تكون عن الديمقراطية !.كنا ننتقد مقالات الدكتور الكبير (علي الوردي) ، عندما كان ينال من بعض أصحاب العمائم ، فقد كنا ننظر اليها على أنها طوق نجاة من الظلام المعنوي والروحي ، وشعلة تنير لنا درب الحياة ، بعد أن أطفأ قناديله الطغاة ، كنا نخلع عليها هالة من القدسية ، وننظر للرأس الذي يحملها ، على أنه مشبّع بأرقى فلسفة وأعلى مبادئ للعدل شهدها البشر ، مبادئ أهل البيت عليهم السلام .ودارت الأيام ، وتقاذفتنا النكسات ، وداستنا الهزائم ، فأذا بمعظمها يسقط من نظرنا ، فالتجربة خير برهان ، فلم تعد الا كونها (عُدّة الشغل) للتدليس والمتاجرة والضحك على ذقوننا ، ليست سوى هيئة (للبزنس) ، وبذلك تحول لابسها من شيطان أخرس ، الى شيطان ناطق !،  وهم أبعد ما يكونوا عن الزهد ، تلك العلامة الفارقة التي ميّزت الأمام علي ، فلم يعودوا يمثلونه ، وصارت تعني الثراء الفاحش على حساب الفقراء ، وأمثلاك القصور التي لم يحلم بها (كسرى) و (قيصر) وغيره من الأكاسرة !،  فصاروا و(علي) على طرفي نقيض لا يجتمعان ، وكذبة سمجة من أنهم يمثلون نهج (علي) ، فلم تعد تلك الكذبة تنطلي على أحد ، اللهم الا بضعة عمائم ، قد كفت ووفّت ، نسأل الله أن يديمها ، فلو خُليتْ قُلِبَتْ .كلمة (العقال) كانت تذكرني بالعقل الراجح والحكمة والهيبة والأحترام ، وكنّا ننتقد كل من يغيّر لبسه من (أفندي) الى لابس للعقال ، ونعيّره من أنه ليس أهلا له  وليس كل من لبس العقال صار شيخا ، ومرّت الأيام أيضا ، وأنقلبت الموازين ، وتدهورت الأعراف ، فنأى شيوخ (الحظ والبخت) عن أنفسهم ، وهم يرون (المشيخة) وقد صارت أداة للأثراء على حساب المبادئ ، ووسيلة للبس الحق بالباطل ، والتعاون على الأثم والعدوان ، وتحوّل الفصل العشائري الى (سيرك) مقيت ، أبطاله من شيوخ (صُنع في الصين) ! ، وبعد أن كان الفصل العشائري أداةٌ للتقارب بين العشائر بعد الخصومة لأنه يُدار من قبل الشيوخ العقلاء المنقادون للحق والملتزمون بالمنطق ومخافة الله ، ولا تسمع من سياق هذا الفصل الا الكلام الحكيم ، وما يمليه العرف الرصين ، صار هذا العرف مهزلة ، ووسيلة للأنتقام ، تؤججه ضمائر ميتة وشاهدة (مؤجّرة) للزور تشتري المشاكل ، وتتبلّى على الخلق ، وتلقي بالتهمة على الناس ، وتتصيّد الأبرياء في الشارع التي قلما ينجو من شباكها أحد ، فصارت تجارة رابحة ، رأس مالها الأبتزاز والمال الحرام ، هكذا تحول بعض الشيوخ الى رؤساء عصابات ! ، فما على (المتهم) السيء الحظ ، الا اللجوء الى (شيخ جديد) يفهم اللعبة لأنه من طراز شيوخ الخصم ، يعرف كيف ينتقي (النكّالة) المستأجرين ، والذين عادة ما يتواجدون في المقاهي ، والقاسم المشترك ، أن لكل شيء ثمن ! ، كما حدث معي ومع العديد من معارفي ، وقررت أن أدفعها (بگصبة) بدل المردي ، وفضلت أن أكون كالمقطوع من شجرة على أن أواجه  شيوخ (نص ردن) لا يختلفون عن اللصوص .الملفت للنظر، أن عصابات الشارع هذه وهي تنصب شباكها على الضحايا ، كلٌ يتقن دوره في التمثيل ويحفظه بشكل مثير للعجب ، بحيث يصدّق (الضحية) أنه المذنب ، نظرا للأتقان المذهل بالتظاهر بالألم للشخص (المدّعي) بسبب تمثيلية (الدهس) ، ويتحول المعتدي الى مُعتدى عليه ، أرى معها أن يحصلوا على جائزة (الأوسكار) في التمثيل حقا ! ، هكذا صرنا نحن الأمة الوحيدة على الأرض التي تنطبق عليه المقولة (الحرامي يحلّف المبيوگ) ، حوادث مفتعلة من هذا النوع ، تفشت الى درجة الوباء حتى طالت الجميع تقريبا ! ، بسبب الغياب المطلق للأمن ، حتى استشرى اللصوص في الشارع وبوضح النهار، وجميع هؤلاء اللصوص يحملون صفة رسمية أو شبه رسمية ، بشكل لا تجرؤ معها أجهزة الأمن على محاسبتهم خوفا من التبعات العشائرية أيضا واللبيب يفهم !، وهذا رأس الكارثة التي جرّت علينا الويلات ، وألا ما صالوا وما جالوا على راحتهم ! ، وأعود فأقول ، لو كنا دولة قانون حقا ، ونريد من دولتنا (المرحومة) أن تكون حديثة أسوة بدول البشر ، بدلا من ننحوا مثل ممالك النمل أو تجمعات الضباع  ، لفعّلت الدولة قانون مكافحة الأرهاب بحق هؤلاء الأوغاد ، كونهم مستغلين له ويمثلون الوجه الآخر له ، ولطاردتهم بلا هوادة ، وما لجأنا الى النظام العشائري والقبلي ، الذي أعادنا الى عصر الجاهلية بكل مساوئه وتخلفه ، بل سيكون القانون (المرحوم أيضا) هو درع المواطن ومتراسه ، أين نحن من قانون عليّ ، حيث (لا يطمع فيه القوي بباطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله) ،  فكيف نجرؤ على أن ندعوا (ما ذنبنا يا رب)! .هكذا كلّـلَنا الفساد من أخمص أقدامنا ليصل غطاء الرأس ، فكفانا أن ننبهر من المظهر والأبّهة مهما كثرت حوله الأمّعات والمتراكضين والمتزلفين ، فلربما لا يساوي قلامة ظفر ، ولَرُبّ قبعة (بيزبول) ، تخفي تحتها رأسا مشبّعا بالشرف ومثخنا بالحكمة والأيثار والصدق والنزاهة والرُّقي والأباء .