حصن وحضن الشعب

 

المنطقة الخضراء إسم إقترن بالاحتلال عندما إختارها منطقة آمنة له ، و فرض عليها حراسة مشددة جدا … وليس هناك عراقي ليس له  قصة مؤلمة مع الغازي الامريكي المحتل عندما ( هتك شرف ) الارض الطاهرة ، ومارس شتى أنواع  الجرائم ، التي لم يعرف تاريخ الحروب ، بما فيها القذرة مثيلا لها .. وستبقى فضيحة ( سجن أبو غريب )  شاهدا حيا ، على هذه الجرائم …

 والمنطقة الخضراء أسم له وقع  مؤلم على النفوس ، وثقيل على الاسماع ووجع في القلوب ، وتستعيد الذاكره معه ذلك التمايز بين عالمين مختلفين ، و مآسي وأحزان القوات الغازية  المعتدية ، وانتهاكاتها ……فتعجب كيف يمكن لهذا الاسم الغريب أن يستمر يتردد كل هذا الزمن يوميا في ( الفضاء ) وعلى الارض ، وشاخصا وسط  العاصمة بغداد ، وكأنه يتحدى العراقيين ، رغم انسحاب قوات الاحتلال خائبة ، بعد أن لم يبق امامها خيار أخرغير الانسحاب  ..

فهذا الاسم يحمل ذكرى حزينة ، لفترة عصيبة ليس في تاريخ العراق كبلد ، بل في التاريخ  الشخصي لكل مواطن ، ويستعرض شريط ذاكرته عندما يمر من أمامها ، كل تلك  الصور المرعبة لسنوات الاحتلال المرة و انتهاكات قواته ، وممارساتها الهمجية ، وكيف كانت تنتابه حالة من  الرعب والخوف عندما يقترب منها ، ومن القوات الغازية .. وبقي عالما أخر ، تحيط به الاسرار والحكايات ، وليس الاسوار فقط  تفصله عن بغداد التي يتوسطها ، ، واستمر مغلقا ، الى أن فتح في الثلاثين من الشهر  الماضي ، ولم يعد  بعده سرا ، أو لغزا ، أو أخبارا وحكايات يتناقلها الاعلام والرواة ، فكل شيء بدا واضحا فيها  أمام من دخلها ، ونقلته الكاميرات …

فلا يمكن لباحث في فترة الاحتلال المظلمة أن يتجاهل   في بحثه  هذا الاسم المذموم ، وغير المرغوب فيه  ، ليس عند العراقيين فقط ، بل حتى عند الامريكيين أنفسهم ،  وليس أدل على ذلك  من إختيارهذا الاسم  ( المنطقة الخضراء ) عنوانا لفيلم امريكي ، تطرق الى قضية اسلحة الدمار الشامل ، وكيف اُكتشفت  الكذية  الكبرى التي جرت العالم الى حرب لاتزال امريكا  نفسها تتحمل تبعاتها الى اليوم ،  وليس العراق فقط ، وقد فضحت امريكا نفسها بنفسها بهذا الفيلم على حد قول أحدى القنوات الامريكية ..

 وأعاد ( الاقتحام ) الاحتلال من جديد الى ذاكرة الامريكيين في تغطياتهم الاعلامية للمنطقة الخضراء ،  ( رمز الطغيان والاحتلال والفساد في نظر العراقيين ، وعلامة على الفصل بين طبقات الشعب والنخبة ) على حد قول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ..

 لقد شاهد العراقيون ( قلب عاصمتهم )  بقصورها وشوراعها ومبانيها ومعالمها وحدائقها ، وأخذوا صورا تذكارية فيها ، و( كانوا سعداء لان اقدامهم  وصلت الى مكان لم تطأه من قبل ) على حد وصف الصحيفة نفسها ،  وكأنهم في رحلة لاكتشاف مجاهل الارض ، وليسوا في منطقة تعد من مناطق بغداد القديمة ..

لقد فرضت المنطقة الخضراء حالة من العزلة على بعض المسؤولين ، خلف أسوارها العالية ، وجعلتهم غير معروفين ، وسارت حياتهم  على  نمط معين من اللقاءات الخاصة ، والتواصل عبر الشاشة ، أوالتصريحات   والبيانات ، وكأنها كافية أو تستجيب لنبض الشارع ، أوتغني عن الحوار المباشر ، والتواصل مع الشعب ، أو القطاع المعني به المسؤول … وهذا تصور غير صحيح ، لأن المواطنين  يريدون أن يروا المسؤول بينهم  ، ، بلا حمايات مبالغ فيها ، ويتواصل مع  مؤسساته والجماهيرعلى الطبيعة ، لأن  المنصب ليس علاقات عامة ،  ولقاءات خاصة ، وبرامج وتصريحات عن انجازات وهمية  على حد قول أحد المواطنين ، وليست السياسة فن الاثارة ، والقدرة على الخطابة ، والمعارك الكلامية أو في الايدي ، وكأن تلك الوسائل الاستعراضية تكفي لتحقيق ما يريده الناس ، او هي  بديل عن التفاعل  الوجداني ، والحوار الميداني دون وسيط ..

الشعب حصن حصين ، وحضنه يبعث الأمن والطمأنينة ..

 فمتى يرى المواطن المسؤول والسياسي ، ليس من خلال التلفاز ، أو من وراء جدران محصنة …يراه وسط الناس ، يتعرف على المعاناة ، ويجد الحل للازمات ..؟!. متى ..؟!.

{{{{{

 كلام مفيد:

الجبل العالي جذوره في الوادي .. ( مثل ياباني ..) ..