انا والحزب الشيوعي 11 |
اشكالية الحرمان وعدم اشباع الحاجات الضرورية تختلف من مجتمع الى آخر،وما يعد حرماناً عند بعض المفاهيم قد لا يعد كذلك في مفهوم آخر،من الناحية الاقتصادية فأن السلع والخدمات تنقسم الى (الضرورية) و(الكمالية) فالسلع الضرورية من المهم ان تتوفر للأنسان ويمكن ان نطلق عليها (الحاجات الانسانية) مثل – الاكل والملبس والسكن ،، الامن -التعليم – الصحة ،، الكهرباء والماء والصرف الصحي- اما باقي السلع وبدرجات متفاوتة يمكن الاستغناء عنها ولا تشكل فارقاً كبيراً على حياة الناس ، هذه هي وجهة نظر الشيوعية في تبويب الحاجات وما يجب توفيره لجميع الافراد حتى لو كان على حساب الحاجات الترفيهية او الكمالية (الحاجات غير الضرورية) ! فمجتمع مثل الاتحاد السوفيتي كان يفكر في سد حاجات 250 مليون شخص من سكن وتدفئة ووسائل نقل جماعية واكل واحذية وخلافه بالاضافة الى مسؤولياته الاممية في مساعدة المعسكر الاشتراكي وقوى التحررفي العالم ، فلا يضع في حسبانه تلهف البعض على (بنطلون جينز او علك ابو سهم او عطر اجنبي او بطل وسكي اسكتلندي) هذا ما يروجه البعض عندما يسافر للسياحة الى الدول الاشتراكية ،يلخص عيوب المجتمع والتجربة الشيوعية في عدم وجود هذه الحاجات ورغبة الناس في الحصول عليها حينما يرون اجنبي في بلدهم! من جانب آخر حينما يزور السائح دول اوربا الغربية ويتجول في اسواقها يرى انواع من السلع الكمالية والترفيهية في جميع مجالات الاستهلاك ، ويرى النزعة الاستهلاكية والماكنة الاعلانية التي تروج لهذه السلع وأقبال الناس على شرائها وهم فرحون في توفيرها وعدم الحرمان منها ، وبالمقارنة سوف يستنتج بأن الشيوعية تعني الحرمان بينما الرأسمالية تعني اشباع الحاجات وتوفيرها ! هذا الاستنتاج السياحي الساذج ليس له علاقة بالواقع ، ففي المجتمع الرأسمالي – ونحن نتكلم عن فترة سبعينات القرن الماضي – كان مجتمعاً طبقياً صحيحاً تتوفر بالاسواق ما تشتهيه النفس ولكن ليس جميع افراد المجتمع يملكون القدرة الشرائية والمال لأقتناء هذه الحاجات ، ومن هنا يبرز التفاوت الطبقي بين الاغنياء والفقراء !وبذلك تكثر معدلات الجريمة وترتفع نسب الادمان على المخدرات وحالات الانتحار ! بل ان شريحة كبيرة من المجتمع قد لا يتوفر لها ضروريات الحياة – السكن والطعام والتأمين الصحي – فنجد الفقراء والمتشردين الذين يفتشون في الفضلات لسد رمقهم ! لا ادعي بأن الحياة رغيدة في ظل الدول الاشتراكية التي زرتها وهناك نوع من التذمر بسبب التقشف في كل شيء ولكنها هي الامكانيات واسلوب توزيع الثروات على المجتمع ، زاد من التذمر هو استحواذ الطبقة السياسية الحزبية على بعض الامتيازات في الملبس والماكل والاسواق الخاصة! اذن الاشكالية حدثت حينما يعطى للشعب شيء بينما للمسؤولين هناك اشياء أخرى !، هنا نشعر بالحرمان وليس بسبب سياسة الشيوعية في التوزيع العادل للثروات والمساواة، فشل الشيوعية كان بعوامل خارجية وداخلية ،السبب الاول هي صعوبة استمرار المواجهة والحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي ذي الامكانيات المادية الهائلة وبين المعسكر الشيوعي ذي الامكانيات المادية المتواضعة ، وكذلك حالات القمع التي تمارسها الاجهزة الامنية في المجتمعات الشمولية حينما ترى بوادر المعارضة تصدر من قبل الشباب وهم يتطلعون الى الحرية الفردية وتقليد الحياة الترفيهية التي يحياها شباب امريكا واوربا الغربية! أسطورة (بنطلون الجينز وعلكة ابو سهم) تسطيع ان تحصل فيهما على فتاة في الدول الاشتراكية (غير حقيقية) وفيها اهانة كبيرة لمن يتحدث بها، الفتاة في تلك المجتمعات تمارس الجنس بسبب اعتبار الجنس حاجة طبيعية وناتجاً من الاعجاب وطبيعة الحياة عندهم التي تسمح بمثل هذه الممارسات قبل الزواج والقانون يحمي هذه الحريات ،وليس لأن العراقي او العربي قد ملأ جيوبه بعلكة ابو سهم او اعطى هدية بنطلون جينس لصديقته ! بالتأكيد قد تشعر بالفرح اذا حصلت على هذه الاشياء المفقودة او نادرة الوجود في اسواقهم ولكنها ليس هذا الشيء مقابلاً وثمناً لممارسة الجنس! حتى ان بعض الشابات يرفضن ان تدفع انت ما يريدن شراءه او اكله ! ولي صديق كان يلح على حبيبته ان تطلب منه هدية فكانت تقول له اشتري لي كتاباً او رواية من المكتبة، وحينما كنت في بولنده وتعرفت على ana وكانت رفيقتي طيلة اقامتي ، وعند سفري كان لدي بعض النقود البولندية (الزلوتي) طلبت منها ان تأخذها رفضت قائلة :- حينما تزور بولندة مرة اخرى ستكون مفيدة لك!! وحينما بدأت الح عليها ردت بعصبية “لو أخذت منك هذه النقود وسأكون مومس قبضت ثمن علاقتها” وهذا لا يمنع ان يكون في المجتمع الاشتراكي (عاهرات) يمارسن الجنس كمهنة يكسبن منه المال، وفي بولنده مثلا كن يحملن هويات خاصة يظهرنها للشرطة حينما يطلبوهن ! كان لي صديق في اوكرانيا حينما كانت جمهورية ضمن الاتحاد السوفيتي ،كان طالب دكتوراه اموره تمام من ناحية السكن والطعام والدراسة على حساب الدولة ، وكل حاجاته متوفرة وهو متفرغ للدراسة ولديه فائض من المال والوقت للترفيه ! سقط الاتحاد السوفيتي ،فبعثوا عليهم يقولون انتهى زمن الدراسة المجانية او بأجور رمزية واصبح التعليم خاضع للخصخصة وبأجور مرتفعة ، أضطر صاحبنا ان يفتح جنبراً يبيع في السكائر لتغطية نفقات دراسته ومعيشته بالاضافة الى ما يرسله الاهل اليه ، في السوق كانت هناك مافيات تدعي حماية السوق وتطلب اتاوات من اصحاب المحلات والباعة، البعض كان يعطي اما الذي يرفض يقول مثل صاحبي، يوميا تحدث له مشكلة تكسر بضاعته وتقطع رزقه حتى يدفع المقسوم. كان يقول ابطال السوفيت في مجال رقع الأثقال وكمال الاجسام والمصارعة تركوا الرياضة واصبحوا (بودي كارد) او عناصر في عصابات (المافيات) المخدرات والدعارة، من المستحيل ان يتم تفسير فشل الشيوعية لأسباب نظرية بل هو التطبيق الذي كان فاشلا، البعض يدعي بأن الانسان خلق وهو لديه رغبة التملك فكيف الشيوعية تجعل كل الاشياء ملكية عامة حكومية ؟ او ان الانسان بطبيعته اناني ويريد ان يكون افضل من الاخرين بعمله وذكائه واجتهاده فكيف ينجح نظام اجتماعي يقتل هذا الطموح ويريد الناس ان يكونوا متساوين في الامتيازات ؟ ان الجنة التي ارادها ماركس ولينين ان تنزل الى الارض لم يستطع تلاميذهم ورفاقهم اصلا خلقها لكي يحافظوا عليها ، وكان الانهيار سريعا وبدلا من الدفاع عنها ساعدوا على نهايتها ،وانتصرت الرأسمالية والتي فيها كل عيوب الدنيا ،فهل الناس تحب (الحروب والظلم والفقر والامراض والبطالة) ؟ وهل العدالة الاجتماعية ذهبت من دون رجعة والى الابد فلا ننتظرها بالدنيا لأنها قد تكون في الخيال او في الاخرة ! |