تدور الرحى الفكرية مُخلفةً وراءها آلاف الخطوط الحمراء على مفاهيم لم تصل إلى تحديدها تلك الرؤية المجردة عن الاسقاطات المسبقة ، وإنما صدرت عن قصورٍ في استقراء مصاديق ذلك المفهوم ليصدر الحكم بنحو جزئي بالحِجر على منطق العقل و كلِّ ما ينتسب إليه .
في هذا الإطار تُثار على الإسلام كثيرًا من الإشكالات التي أفرزتها تلك الأحكام التعسفية بعقلية عقيمة حتى أضحت من المرتكزات المتداولة في الذهنية المجتمعية ، ولعل عنوانات أمثال(الطائفية) و ( التعصب الديني ) هما الأوفر حظاً في عالم الظهور و الشهرة ، فأيُّ محاولةٍ لتقريب المسافات و البدء بحوار الحضارات اعتمادًا على المشتركات تُنصب لها المفخخات الفكرية في طريق الحوار والتفكير تحت مسمى هذين العنوانين وغيرهما ، لأجل إثبات أن الإسلام هو دين التطرف ومن ثمَّ فإن كلَّ أحكامه إنما تصدر لتراعي أبناء جلدته ممن ينتسبون إليه وحسب ، وختامًا فهو دين ضيق الأفق وليس له نظرة إنسانية وما نبلث أن نراه يوضع بحسب هذه الرؤية في خانة واحدة مع الكنيسة في معزل عن الحياة .
لكن ما يميز الحقيقة عن الادعاء و الواقع عن السفسطة والخيال هو قدرة الدين الأصيل على البقاء ثابتاً في مواجهة المتغيرات والأحداث ، فالتقاليد الاجتماعية و الموروثات العرفية التي صدرت ضمن بيئة دينية وألصقت بالدين شاء أم أبى لم تنل حظها من البقاء في دائرة الثبات أمام متغيرات العصر ومجرياته المتسارعة وهذا دليل قاطع على أنها ليست من الدين في شيء ، لأن الدين لايكون ديناً مالم تكن له القدرة الكاملة في تقديم الإجوبة لكل ما يصدر من إشكالات واستفهامات فرضتها طبيعة الظروف التي تمر بها المجتمعات وبأدلة واضحة لاتشوبها شائبة وتنسجم مع الطرح العقلي ، لأن وظيفته الأساس أي الدين هي المحافظة على الفطرة الإنسانية من الميل عن طريق الهداية والصلاح إلى حيث الغواية والضلال ، ولما كانت هذه الفطرة ثابتة لا تتغير فهو ايضًا لا يتأثر بعوامل التعرية من رياح السَموم و نحوها .
وهذا الدين عاد ليفتح تلك الدوائر المغلقة و الخطوط الحمراء التي خطتها قراءةً عابرةً للدين ، ومع رفع الحواجز والكتل الكونكريتية وتقطيع السلاسل و الإغلال الفكرية تتضح صورة الاسلام الحقيقي ليغدو نافذة لتواصل مع الجميع ، هذا مالمسناه وعايناه عن كثب في خطوة جريئة تدعو إلى التأمل في بدء علاقة طيبة مع الاسلام وفق الاسس الانسانية التي تذيب التطرف و عدم الحيادية ، تلك الخطوة التي أقدم عليها المرجع الديني محمد اليعقوبي بإشادته بلاعبي نادي ريال مدريد لمشاركتهم أهل العراق في جراحاتهم و مواساتهم لهم في فقد أحبتهم في سلسلة من الانفجارات ، هو ليس اهتمام أو ثناء بموقف عابر فحسب بل هي رؤية إنسانية تؤكد أن الحل الأمثل لما يعانية العالم من تقاطع وتناحر ليس أساسه الدين فها هو الدين يرحب بالمواقف الإنسانية النبيلة ويدعو إلى السلوك النابع من المشتركات ويعده السبيل الأفضل لسيادة العدل والرخاء بين المجتمعات ، وإنما كل مشاكلنا هي من التسلط و الاستعمار والتدخل في سياسة البلدان الداخلية وجعلها في دائرة التبعية وتجهيل الشعوب وهو ما يدعو و كردة فعل طبيعية على مستوى الدفاع و الاحباط إلى التطرف والانكفاء والتشدد وهذا خلاف ما يريده الدين لأن الاسلام اليوم هو إسلام بلا حدود إسلام الفطرة السليمة و المشتركات الإنسانية .
|