من الذاكرة .. أبن السيد |
في اواخر الستينيات من القرن الماضي لم تعرف منطقتنا والمناطق المجاورة غير سيد طعمة معالجاً واباً روحياً للجميع . تنتهي خصومات المتخاصمين بحضوره وتحل إشكالات الازواج بوجودة . جولاته الليلية شبه السرية اكتشفنا سرها بعد حين ، بعدما شاعت عطاياه وتفقده للعوائل الفقيرة والمتعففة . يسهم تأثيره الروحي بشفاء الكبار بعدما يلامس أوجاعهم ويقرأ آيات من القران الكريم وبعض الأدعية ، لكننا لم نكتشف للآن سر شفاء الأطفال الصغار ببركته . لا يمارس الدجل ولا يكتب تعويذات فقط يكتفي بقراءة القران والأدعية ، وتلامس يداه الكريمتان أماكن اوجاع الناس . الميسورون في منطقتنا لايعرفون غيره ، فهو أحسن من يوزع صدقاتهم على العوائل المحتاجة ويستثني عائلته التي هي بأمس الحاجة لجزء من تلك الأموال ، حتى ان بعض المقربين جداً من أسرته يوصلون مساعدتهم بالسر لزوجته ، لانه يرفض المساعدة ، هو والبالغين من اسرته في صوم شبه دائم . للسيد ثلاث بنات وولد اسمه السيد عزيز . كبرنا وكبر السيد وتغير كل شيء من حولنا إلا سيد طعمة ، الذي ظل ممسكا بعنق القيم النبيلة ولم يغادرها . عندما أوغل صدام بجرائمه لم يكن للسيد والمقربين منه ومن يقصدونه غير الدعاء بان يهلك الله صدام ونظامه ويريهم نهايته . كبر سيد عزيز وتزوج وخرج عن طاعة ابيه ، بعدما كان أول من انتمى لحزب البعث من منطقتنا . مات سيد طعمة قبل نهاية حرب صدام على ايران . مات والحسرة والألم يعتصر قلبه، لأن سيد عزيز أمسى ولداً عاقاً ومؤذياً لكل المقربين من والده . لاكت الألسن سيرة سيد عزيز القذرة ، لقد سار في الاتجاه المعاكس لسيرة ابيه ،تمكن مالياً وتحول ببيت جديد بعدما رفضته العلوية والدته وأدانت تصرفاته واعتذرت للمقربين ودموعها تحفر خديها . كانت كثيراً ما تردد هي واغلب المقربين منها المثل العراقي : "النار أتخلف رماد" . في العام 91 اثناء انتفاضة شعبان حاول الثوار اغتياله ونجا بأعجوبة ، بعدما قمع صدام المنتفضين ، نكل سيد عزيز بالمنتفضين وأسرهم وغيبت اجهزة الأمن اغلب المنتفضين . مثلما كان سيد عزيز اول البعثيين في منطقتنا ، كان هو ايضا اول من اصبح وهابياً بعدما جاءت اجهزة صدام الأمنية بالوهابيين ونشرتهم في مناطق الشيعة تنكيلا بالشيعة لأنهم انتفضوا ضد صدام . قصٓر ثوبه واطال لحيته وحلق شاربه وارتدى الكوفية (العرقجين) على رأسه بدل عمة ابيه واجداده ، الامَر والادهى انه كان أكثر من الوهابيين أنفسهم حقدا وبغضا على أهله ومقربيه واتباع أهل البيت !. وقعت وثائق الدوائر الأمنية بيد الناس تبين ان تقارير عزيز كانت سببا في إعدام اغلب من ماتوا بمشانق صدام في منطقتنا . اكثر من تألموا من افعال عزيز هو جارنا سباهي صديق المرحوم السيد طعمة وأقرب مقربيه . كان يبكي بشدة بين آونة واُخرى، عندما يسأل عن سر بكائه الدائم كان يقول : "اخشى ان يشتم السيد طعمة بسبب افعال ابنه العاق " كم واحد من ساستنا يشبهون عزيز؟. هل من أحد منهم يشبه السيد طعمة رحمه الله ؟ . قالوا :" الولد الصالح صدقة جارية ". ما هو حكم الولد العاق المؤذي ؟. "وليس الذئب يأكل لحم ذئب .... ويأكل بَعضُنَا بعضا عيانا" |