قد يبدو العنوان ( عادي جدا ) ، ولا يستحق أن يأخذ هذا الضوء ، ولكن عندما يُقرأ مضمونه يعطي صورة دقيقة عن وضع العراق ، والمقارنة بين حالتين ، أو مفهومين .. المواطنة والمحاصصة ... فالمواطنة حالة أصيلة وفضاء أرحب ، يسع الجميع ، وتأخذ قيمتها من المنسوب اليه ، وهو الوطن الواحد .. بينما المحاصصة غريبة لأنها تضيّق حدود الانتماء اذا حصرته برافد واحد ، أو من حيث معناها المباشر.. لقد أكدت التجربة ، أنه ليس بإمكان العراقيين ( التأقلم ) مع المحاصصة ، لانها غريبة وطارئة عليهم ، وهم يرفضونها ، لانها كانت ، ولا تزال وراء الكثير من المشاكل والازمات التي تعاني منها بلادهم . ولكن مما يدعو الى العجب ، أن السياسيين يلعنون المحاصصة ، صباح مساء ، لكنهم لا يغادرونها .. وفيما ينتقد البعض تمسك الاخر بها ، يطالب هونفسه باستحقاقه بموجبها بحجة المكون أو ما شابه من التسميات التي تنتهي عندها ..فأين الحقيقة ..؟! واذا كان السياسيون والحكام يتغيرون لأي سبب من الاسباب ، فان الشعب ثابت ، وهو ركن السيادة الاساس وبدونه لا قيمة للارض ولا الدولة ولا العلم ... فهذا الشعب لم يعرف عبر تاريخه الطويل المحاصصة التي تقسمه على اساس المكونات .. ويرى أن الانتماء للخيمة الاكبر ، لا يلغي الانتماء للدين ، أو المذهب ، أو القومية ، شرط عدم الانغلاق والتعصب ، والغاء الاخر . فعلى سبيل المثال تُعد ( ناحية كميت ) بمحافظة ميسان بمقاييس المحاصصة المقيتة اليوم ( شيعية ) ، لأن سكانها جميعا من هذه الطائفة عدا مواطن واحد ( سني ) هو سيد ابراهيم رحمه الله ، لكنهم جميعا - برغبة منهم وجدارة منه - إختاروه أن يكون ( مختارا ) للناحية في الخمسينات أو الستينات ، كما اعتقد ، ولم يفكروا بطائفته ، وانما بمواطنته ، وهل هو جدير بتمثيل الناحية ، واعطاء صورة دقيقة ومشرفة عنها أم لا .. واستمر مختارا بدون منافس الى أن توفاه الله ، وجاء بعده المرحوم مجدي السلمان ، وهو احد شيوح الناحية المحترمين .. وبالتأكيد لم تكن ( كميت ) وحدها لا تعرف الطائفية ، بل كل العراقيين وقد إخترتها للاستدلال فقط ، وكمثال حي عن مفهوم المواطنة يومذاك ، وظل ماثلا في ذهني عن طبيعة النسيج الاجتماعي العراقي المتماسك ، لاني عشت هذه الحالة واتذكرها جيدا ، ويحضر أمامي عندما تتصاعد الدعوات بحق المكونات ، وينسى البعض حق الوطن الكبير الذي يحتضن كل تلك التفرعات ...وتلك من الثوابت الوطنية .. وقد تدخل كميت ( بموسوعة غينيس ) للارقام القياسية بمقياس المحاصصة الاستثنائية .. لكنها بمقياس الوطنية حالة طبيعية جدا... فاين ( المحاصصيون ) اليوم من هذه الصورة المشرقة للعراقي الجميل الأصيل ..... ؟!..
|