قامت لجنة التراث العالمي في اليونسكو بتبني برنامج مواقع التراث الدولي والذي انطلق عام 1972 باتفاقية دولية تم التوقيع عليها من قبل 189 دولة, ويهدف البرنامج إلى تصنيف وتسمية والحفاظ على المواقع ذات الأهمية الخاصة للجنس البشري، سواء كانت ثقافية أم طبيعية, ومن خلال هذه الاتفاقية، تحصل المواقع المدرجة في هذا البرنامج على مساعدات مالية تحت شروط معينة. وقد بلغ عدد المعايير المعتمدة في قبول ضمّ المواقع المرشحة الى اللائحة الدولية وحسب آخر تعديل في عام 2005 عشرة معايير ويجب أن تكون المواقع المرشحة ذات قيمة عالمية استثنائية وتستوفي على الأقل واحداً من تلك المعايير العشرة. تقدّم العراق بطلب رسمي الى اليونسكو بالموافقة على ضمّ بعض المواقع الاثرية والطبيعية الى هذه اللائحة العالمية وتشمل المواقع المدرجة في الطلب للمواقع الأثرية (مدينة أور الأثرية) التي أسس بها الملك أورنمو واحدة من أقدم الامبراطوريات بالعالم القديم، و(مدينة أريدو) التي يرجع تاريخ السكن فيها الى خمسة آلاف عام قبل الميلاد وهي مقر عبادة الإله (انكي) اله الماء في العراق القديم حيث تعدّ مدينة مقدسة وتسمى بمدينة المعابد، و(مدينة الوركاء) وهي مدينة الملك العراقي العظيم كلكامش صاحب أقدم وأعظم اسطورة عرفها التاريخ وبها أسس أول برلمان للدولة وتعد مقراً للإله (انو) كبير الآلهة السومرية، أما بالنسبة للمواقع الطبيعية فقد تم درج (مناطق الأهوار) التي تمثل بيئة السومريين منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا، إذ استخدموا بيت القصب والمشحوف والبردي. لغرض نيل موافقة المنظمة الأممية على طلب العراق سعت الحكومة العراقية ببعض الجهود لتحقيق ذلك منها تشكيل لجنة مشتركة لإعداد ملف متكامل بالطلب وحسب الشروط والضوابط الموضوعة وضمّت اللجنة ممثلين من هيئة السياحة والآثار ووزارة البيئة ومركز علوم البحار في محافظة البصرة و لجنة الزراعة والمياه والأهوار البرلمانية, وباشرت اللجنة أعمالها المختلفة في محاولة التحرك على الجهات المختلفة سواء الدولية منها والمحلية لكسب التأييد على طلب العراق, وكذلك دعت السلطة التشريعية الى تكثيف الجهود والمطالبات الرسمية الموجهة الى اليونسكو من أجل ضمّ تلك المحميات الى لائحة التراث العالمي. ان المشكلة التي يتخوّف منها المسؤولون عن هذا الملف بخصوص الأهوار ان بعض المناطق فيها قد تم تعبيد الطرق فيها وتم بناء بعض البيوت فيها من الطابوق، فضلاً عن بناء مجمعات سكنية من قبل وزارة الأهوار في السابق وهذه الأمور في المناطق المحمية قد تدفع اليونسكو الى رفض الطلب، فبعض التغييرات التي حصلت في بيئة الأهوار يمكن أن تحرمها من الإدراج على اللائحة الدولية حيث ان المنظمة الأممية تشترط إعطاء المنطقة اللمحة التاريخية، وان يكون بناء المنازل فيها من القصب والبردي وتتلاءم مع الطبيعة الموجودة في المنطقة. تكمن أهمية هذا الملف انه لو تمّت الموافقة على طلب العراق في ضمّ هذه المواقع الى اللائحة العالمية فانه سيتم تجريم ومحاسبة من يحاول المساس بها مع تنظيم حملات تنقيب كبرى بدعم دولي، فضلاً عن تنشيط الجانب السياحي واطلاع العالم على حضارة وادي الرافدين، علاوة على ان هذا المبتغى يُعدّ حقا للعراق لأنه سيحمل بُعداً إعلامياً وسياسياً مع انعكاسه على تطوير الواقع الاقتصادي عبر استقبال أفواج السياح التي ستأتي لزيارة هذه المناطق، أما بالنسبة للأهوار فسيتم اعتبارها (محمية طبيعيةعالمية) وستلزم المجتمع الدولي بتوفير حصص مائية ثابتة لها وبالتالي لن تستطيع أية دولة إيقاف أو تقليل الحصص المائية عنها. شهدت الساحة العراقية تحركات مختلفة بخصوص هذا الملف الحيوي من قبل جهات مختلفة منها منظمات مجتمع المدني وجهات ثقافية وأدبية وعلمية وقد كان لعدد من وسائل الإعلام دوراً واضحاً في هذا المجال, ولكن مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الدولي لمنظمة الأمم المتحدة (اليونسكو) للتربية والثقافة والعلوم في منتصف شهر تموز القادم في تركيا تتجه أنظار العراقيين بترقب لقرارات المؤتمرين حول الموافقة على طلب العراق أم رفضه. في اعتقادي ان الفترة التي تفصلنا عن انعقاد المؤتمر وهي شهرين تحتاج من اللجنة المسؤولة عن هذا الملف أن تقسم عملها الى اتجاهين رئيسيين الأول هو إكمال إعداد الملف المطلوب والاستعانة بالمتخصصين في هذا المجال من داخل العراق أو خارجه والاتجاه الثاني وهو الأهم التحرك دبلوماسياً من قبل سفاراتنا في العالم لمحاولة إقناع الدول الأعضاء للتصويت بالموافقة على طلب العراق والقضية تحتاج الى كياسة واسلوب جيد وعلاقات طيبة والمفروض أن يتصف بها الشخص الدبلوماسي ولكن مبدأ المحاصصة الطائفية البغيضة الذي وصل وانتشر في جميع مفاصل الدولة ومنها سفاراتنا في الخارج يجعلنا قلقين من النجاح في هذا الاتجاه المهم لتحقيق الأمل المنشود في الموافقة على الطلب, ولكن يجب علينا جميعاً ومن منطلق الوطنية والإنتماء للعراق أن لانبخل بأي جهد ممكن للتحرك بجميع الوسائل الاعلامية والثقافية والعلمية والإجتماعية لحشد الجهود وكسب التأييد من قبل جميع الأطراف التي تؤثر في إتخاذ القرار المنشود.
|