البيشمركة والمؤسسة العسكرية العراقية

 

منذ أن فرضت الحرب على شعب كردستان بسبب مطالبته بحقوقه المشروعة في العيش الحر على أرضه وممارسة حقه في تقرير مصيره وهو يواجه أشكالا مختلفة من المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية التي تتفنن في محاربته، حيث مارست كل الأنظمة اساليب وحشية في محاربة ثوار الشعب الكردستاني المعروفين بالبيشمركة، وهو مصطلح كردي يعني أولئك الرجال والنساء الذين يتسابقون الى الموت من اجل تحقيق أهدافهم أثناء الحروب، فقد استخدمت الحكومات العراقية منذ قيام المملكة في مطلع عشرينات القرن الماضي بعد اتفاقية سايكس بيكو، أشكالا وأنماطا متنوعة من المؤسسات شبه العسكرية في محاربة البيشمركة، إضافة إلى الجيش وكافة صنوفه بما في ذلك الصنف الكيماوي، الذي استخدم بكثافة في منطقة حلبجة وكرميان وبادينان في أواخر الثمانينات، بعد أن فشلت قنابل النابالم التي استخدمت هي الأخرى قبل ذلك بعشرين عاما، ومعظم هذه التشكيلات شبه العسكرية تم تنظيمها كميليشيا من المرتزقة العاطلين عن العمل أو من خلال شيوخ وأغوات العشائر الذين عرفوا في المنطقة بالـ (الجحوش) حيث جندت الحكومات افواجا اسمتها بالأفواج الخفيفة (فرسان صلاح الدين الأيوبي) و(سرايا أبو فراس الحمداني).

وقبل ذلك وحينما انقلب البعثيون على عبد الكريم قاسم، أسسوا ميليشيا أطلقوا عليها أسم (الحرس القومي)، وكانت مسؤوليتها تصفية كل المعارضين لهم من تقدميين وديمقراطيين عراقيين وكردستانيين وذلك من خلال عمليات الاغتيال التي شملت الاف من خيرة الكوادر في بغداد وكوردستان، ثم تلا ذلك وبعد انقلابهم على الرئيس عبدالرحمن عارف في 17  تموز 1968م أن استخدموا الجيش بقساوة لإحراق كردستان بالنابالم وبراميل البنزين والديناميت، حتى أسسوا ميليشيا (الجيش الشعبي) التي فتكت بكوردستان ونفذت عمليات التهجير القسري للسكان الكرد الى جنوب وغرب العراق، ومارست أبشع أنواع القتل والتعذيب والارهاب والسلب والنهب بحق الاهالي، يدا بيد مع ما كان يسمى بالأفواج الخفيفة، حتى بلغ عدد القرى التي تم تدميرها بالكامل اكثر من 4500  قرية بما تحويه من مزارع وبساتين ومساجد وكنائس ومدارس ومراكز صحية، وتهجير سكانها الى صحراوات العراق الجنوبية، ومن ثم ابادتهم ودفن الكثير منهم وهم احياء، حيث بلغت اعدادهم اكثر من 82  الف نسمة من النساء والاطفال والشيوخ، في احدى ابشع عمليات الابادة الجماعية بعد الحرب العالمية الثانية.

ويتذكر الجنود العراقيون وحتى عناصر تلك الميليشيات التي كانت تقاتل اما امام الوحدات العسكرية او تأتي لتمسك الارض بعدها، ماذا كانوا يفعلون بالأهالي، وكيف كانت تتعامل معهم قوات البيشمركة حينما يقعون جرحى أو أسرى بأيديهم، وكيف يتخلى البيشمركة عن حصته في المأكل والمشرب والأغطية لصالح الأسير أو الجريح، بينما كانت أجهزة الاستخبارات العسكرية والأمن العسكري يتفننون بتعذيب الأسرى والجرحى حتى الموت أمام الأهالي في مراكز القرى أو البلدات أو المدن، وحينما شنت داعش هجومها الهمجي على العراق وكردستان منتصف 2014م، تصدت لها قوات البيشمركة ببطولة أذهلت وأثبتت للعالم اجمع جدارتها وبسالتها في القتال، واحترامها لقوانين الحرب والتعامل مع أسرى وجرحى العدو، وحققت انتصارات أبهرت الرأي العام العالمي بما جعل من مصطلح (البيشمركة) مصطلحا عالميا متداولا يرمز للبسالة ولانتصار المدنية والحضارة على التخلف والإرهاب، رغم أنها قاتلت بأسلحة بسيطة مقارنة بتلك التي تمتلكها داعش، وهي وما تزال تعاني من حصار الذين يقودون المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد سواء في التسليح أو التدريب أو الرواتب والمخصصات، ورغم ذلك فرضت نفسها كمعادلة حضارية ومؤسسة مهنية تحترم القيم العليا للإنسان والحضارة.