الجلاوزة من السياسيين

 

 في ذروة الازمة السياسية التي يشهدها القرن الحادي والعشرون والتي ابتدأت بغزو العراق واحتلاله عام 2003، وانا اتابع وارصد الظواهر الغريبة والتداعيات التي حملها هذا الاحتلال من دولة ديمقراطية جداً (الولايات المتحدة الامريكية) فلم اجد في التاريخ توصيفاً لهذه الظواهر وحتى في القاموس الجغرافي المتميز بشموليته الواسعة باللغة العربية والموسوم بـ (معجم البلدان) لمؤلفه الرحالة الجغرافي (ياقوت الحموي) ولا في تقرير لمؤلفه (ابن بطوطة)

 

ولكن عندما وقع نظري على كتاب يحمل افكار الدكتور (علي الوردي) سنة 1954 قال فيه: هنا بلد الجلاوزة .. هنا بغداد تلك كانت العبارة التي سجلها عالم الاجتماع العراقي في الهامش الاول الذي اورده في كتابه الشهير (وعاظ السلاطين) واصفاً حال الاذاعة العراقية التي منعته من تقديم كتابه في حلقات اذاعية ولم يكن مسؤولو الاذاعة (الجلاوزة) كما وصفهم الوردي انهم يعرفون يقدمون بذلك الرفض يدا بيضاء ليس للوردي فحسب بل للجمهور.

 

كان الوردي اذا ماجلس في شرفة البرلمان العراقي يستل قلمه ليسجل فيها تعالي اصوات النواب بلهجتهم المحلية ليعيد كتابتها مجدداً في مقالات ساخرة ونقدية. وفي احد المرات قدم اليه رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد في اليوم الثاني مازحاً .. لماذا ياوردي تنشر هذا الغسيل؟

 

ويبتسم الوردي شعبي يحب الغسيل وفي نهاية الحوار يطلب السعيد من الوردي ان يشغل وزارة ويترك الهرج والمرج فيرده الوردي باشا : الكتابة لاتجتمع مع الوظيفة وبقي الوردي للكتابة سيفاً مرهفاً يدوي في ردهات التاريخ

 

فما احوجنا اليوم الى رجال تتمثل فكر الوردي في التصدي للفساد والجلاوزة من السياسيين اصحاب الاحزاب الموبؤة ورؤساء الكتل الفاسدة.

 

فالفساد والانحطاط في القيم السياسية والاخلاقية الذي جاء به الاحتلال الانكلو امريكي والعملاء من اعوانه وضع البلاد على شفى حالة من الانهيار بسبب سياسات الحكومات الفاشلة واحزابها الموبؤة ورؤساء الكتل السياسية الفاسدة التي تتنافس على الاستيلاء على الدوائر العامة ومؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية واشغال دور المواطنين وممتلكات الدولة فلقد عبرت هذه الكتل عن طموحات يتوهم فيها هذا الطرف بأنه احق من الطرف الاخر بامتلاك السلطة دون ان تكون لمعظم هذه الاحزاب والحركات والتيارات والكتل انظمة او منهجية واضحة او ميثاق مبرمج يحدد الاهداف والمبادئ وبقيت هذه الاحزاب اسيرة المحاصصة الحزبية وصراعاتها التي تفور مرة ومرة اخرى والذي تبلغ ذروته هذه الايام ولازال الجلاوزة يتنافسون على المناصب والوزارات والمغانم الشخصية تاركين هذا الشعب المظلوم والمحروم يعيش في وسط محرقة حروبهم ونزاعاتهم من اجل منافعهم ومصالحهم الشخصية.