صيدلياتنا بين الأمس واليوم

 

 من منا لا يتذكر واقع صيدلياتنا في الأمس حيث كانت الصيدليات حقا وحدات لتقديم الخدمة الدوائية بشكلها الحرفي الحقيقي والإنساني لمن يستحقون العلاج من المرضى كما أنها موجودة ضمن الأماكن المحددة لها وتتعامل مع الدواء او العلاج الحقيقي المستورد من مصادر موثوق بها عالميا وبأسعار ثابتة مثبته على أغلفتها بشكل رسمي لا يقدر احد من أصحاب النفوس الضعيفة ان يتلاعب بها . كما نه لا تُمنح اي رخصة لو إجازة لصاحب صيدلية دون ان يمتلك المؤهلات العلمية المطلوبة التي ينص عليها القانون . ودون ان يكون المحل المراد تحويله إلى صيدلية ضمن المواصفات المطلوبة من حيث الموقع والمساحة كما يوجد سياق جميل يخدم المواطن بأن كان هنالك صيدلية خافرة لتوفير الخدمة الدوائية للمواطنين خلال الليل وحتى الصباح وغالبا ما يُنشر اسم هذه الصيدلية ومكانها في نشرات الإخبار المسائية على محطات الإذاعية في بغداد و المحافظات الأخرى لإعلام المواطن المحتاج لخدمتها بوجودها في الحالات الاضطرارية دون ان يتعب في البحث عنها لإيجادها . كما كان في أي صيدلية تجد ان هنالك مكاناً مخصصاً لتحضير لأدوية التي تحتاج تحضيرا سريعا مثل الخلطات او الأدوية التي تتطلب بعد تحضيرها استعمال سريع وتتأثر بمدة الخزن وترى إن الصيدلاني لا ينزعج او ان يرفض إحضار اي دواء من هذا النوع حتى لو تطلب ذلك وقتا او جهدا طويلا لشعوره وإحساسه بعمله الإنساني دون ضجر او ملل ومن الجميل ان ترى أسعار الأدوية مناسبة على الرغم من نوعيتها الجيدة وتأثيرها الدوائي الفعال ورصانة علاماتها التجارية وان أسعارها ثابتة من جنوب العراق إلى شماله كما أن العلاج لا يصرف دون وصفة طبية وان اي علاج يتم استيراده يدخل إلى مرحلة دراسة وفحص من قبل دائرة متخصصة تابعة إلى وزارة الصحة لتأكد من سلامته وانه مطابق إلى المواصفة العالمية المطلوبة وان تأثيره فعال في معالجة المرض الذي صنع لأجله وأن تأثيراته الجانبية مقبولة .

إن ما نراه اليوم فهو ملفت للنظر حيث الصيدليات لا تُمثل إلا دكاكين بعضها صغيرة جدا يعرض فيها إشكال الأدوية ومود التجميل وبعض الحاجيات التي ليس لها علاقة بالدواء وإنها قد استوردت من مصادر مختلفة وان بعض المحلات المُستغلة كصيدليات مواقعها غير مناسبة وقريبة جدا لبعضها في حين ان هناك مناطق لا نجد لها أثراً فيها إضافة إلى أنها محلات صغيرة جدا ولا نجد فيها مكاناً لتحضير أي علاج او تحضير خلطة معينة كما أسلفنا فان هذه العملية أمست من الماضي وان الصيدلاني غير معني بها لكونها تأخذ وقتاً منه وهي أمست ضمن حسابات الربح والخسارة بعيدة عن الهدف الإنساني كما ان الصيدلية لا تحتوي أي مكان او أدوات لهذا الغرض . ناهيك عن ان الأدوية المستوردة غير مسيطر عليها من اي جهة حكومية وهي تُستورد حالها كحال البضائع الرخيصة التي لا تتوفر فيها شروط وضوابط حماية المستهلك لرداءة نوعيتها وقلة مفعولها العلاجي . فليس من الغريب تجد للعلاج الواحد عدة أسماء تجارية وان مصادر إنتاجها من دول مختلفة وان أسعارها مختلفة كما ليس غريب ان نجد سعر شريط دواء معين يتراوح من إلف دينار إلى عشرة ألاف دينار على سبيل المثال لا الحصر بين الأصلي او التجاري وبذلك أصبحت الأدوية كقطع غيار السيارات منها التجاري ومنها الأصلي وهذا لعملٍ مضحك اي ان الصيدلاني بالشكل الغالب يتعامل مع أدوية هو غير مقتنع بسلامتها وجدية فعاليتها ما يهمه الربح والخسارة ناهيك ان بعض أصحاب الصيدليات يتجاوز حدود عمله ليكون طبيب في نفس الوقت فهو يشخص المرض ويعطي العلاج لكثير من المواطنين الذين يعانون العوز او صعوبة في مراجعة الأطباء دون الخوف من تداعيات تلك التصرفات ولكنه يعلم ان بعض تأثير هذه الأدوية ليس فعال ناهيك عن التلاعب بتواريخ صلاحيتها من بعض المستوردين من أصحاب النفوس الضعيفة .و كثير ما يُعلن في المحطات الإذاعية والتلفزيونية عن قيام الجهات المسؤولة الحكومية باكتشاف مخازن سرية تحتوي على أدوية فاسدة وتقوم بمصادرتها .

على الحكومة وأجهزتها الرقابية ان تعي دورها الأخلاقي والمهني وحتى الإنساني بمراقبة ما يدور في البلد من انفلات وتلاعب في حياة ومصير المواطنين في هذا القطاع المهم وان تسيطر على هذا القطاع بشكل يخدم المواطن و خاصة المرضى منهم ويحميهم من جشع المتلاعبين لكون التلاعب هنا ليس في دخلهم اليومي وإنما في صحتهم وحياتهم على الحكومة ان تحمي المستهلك بشكل عام ومنه القطاع الدوائي من خلال ضبط عملية الاستيراد على ان تكون تحت معايير سليمة وهذه تجربة ليس جديد فكان العراق يعمل بها سابقا وعلى الحكومة إعادة النظر في هذا الموضوع كليا لأن القطاع الدوائي قطاع يعني بسلامة المواطن وصحته كما على الحكومة تثبيت تسعيرة موحدة على أغلفة الأدوية بشكل رسمي غير قابلة للتلاعب ومحاسبة المقصرين واتخاذ الإجراءات بحق الصيدليات الغير مجازة والمخالفة للتعليمات او التي تُدار من قبل أشخاص غير مهنيين أصلا كالصيدليات المؤجرة من أصحابها الحقيقيين .

كما على الحكومة تشجيع المنتج الوطني بما يخص صناعة الأدوية وتنشيط المعامل الحكومية وتشجيع الاستثمار والقطاع الخاص في نطاق إنتاج الأدوية والعلاجات والمعدات الطبية ومستلزماتها من قطن وشاش والحقن الطبية والمطهرات وحتى أثاث المستشفيات وعربات ذوي الاحتياجات الخاصة وكثير من الأشياء الآخرة التي يقدر العراق على إنتاجها وبذلك يوفر فرص عمل وعملة صعبة على الحكومة ان تعي ان مهامها كثيرة وهي ليس محصور في مجال دون أخر وهذا يحتاج إلى خطوات فعالة ومدروسة وخطة شاملة لإصلاح مؤسسات البلد ضمن خطة الإصلاح المنشودة وان تتدخل في كل الحلقات التي تهم المواطن لتحميه من طمع الطامعين والمتلاعبين بقوته وحياته .