في ظهيرة أحد أيام عام 1997 غادر الصحفيون مقار عملهم للذهاب إلى قاعة مسرح المنصور في ساحة الاحتفالات دون أن تكون لهم دراية مسبقة بسبب دعوة تجمعهم في ذلك اليوم ولكن الجميع كان قد ساوره الخوف والقلق لاحتمال ما سيحدث ولاسيما انه لم تكن حينها أية مناسبة تستدعي تلك الدعوة المباغتة غير اني عرفت بما سيجري حين دعاني الزميل (ز ع) إلى غرفة صغيــــــرة وجدت فيها (ع ج) المقـرب من نقيب الصحفيين عدي صدام حسين وقد وضعت على منضدة أمامه كيسين حوت طماطة تالفة وقد فاجأني بالقول (أمر الأستاذ الفاضل برمي من سيجلس على خشبة المسرح بها) ساعتها شعرت بالرهبة وهو يسلمني أربع طماطات اخفيتها في جيبي بنطالي وحين عدت إلى القاعة لاحظت علامات الدهشة والوجوم على وجوه الصحفيين وهم ينظرون إلى الزميلين لطفي الخياط واحمد صبري اللذين كانــــا يحظيان بمودة الصــــحفيين واحترامهم وكانت تربطني معهم علاقة طيبة وهما صاحبا مواقف إيجابية معي حيـث كان الخياط نائبا لرئيس تحرير جريدة الجمهورية التي كنت اعمل بها أما احمد صبري فقد كان اول من استلم ملفي وساعدني في الانتماء إلى نقابة الصحفيين.

مشهد رقم 1 :-

وبعد فترة من الصمت غادر صباح ياسين القاعة بطلب من أحد الأشخاص قبل قراءة القرار الذي جاء بدعوى أمور تتعلق بعضوية النقابة ودرج أسماء في قوائم مكافأت الصحفيين وقد لاحظت لحظتها أن المسرحية تلك قد أعد لها بعناية من حيث خفوت الإنارة ومكان منصة قارئ القرار في زاوية وجلوس الخياط وصبري على كرسين صغيرين في الزاوية الأخرى من المسرح في جو مرعب وكأننا كنا في مشهد من الأفلام البوليسية وليس امام زميلين وصديقين من قادة نقابة الصحفيين وعملا سنوات طويلة في خدمة زملائهم الذين لايمكن ان يتنكروا ذلك الجميل ويقبلوا الاساءة لهما من اي طرف كان حتى لو كان نقيب الصحفيين.

ولم أجد نفسي قادرا ان أنفذ (أمر الأستاذ الفاضل) ولم اتجرأ ان أمد يدي المرتعشة إلى جيب بنطالي ولايمكن باي حال ان افعل ذلك بحق زميلين عزيزين مهما كانت العواقب فلم اشارك في تلك المسرحية وبقيت متفرجا فقط تاركا الطماطة في جيبي حتى نهاية فصولها.

مشهد رقم 2 :-

وبعد ان فرغ قارئ القرار من تلاوته من على خشبة المسرح حيث يجلس الزميلان اللذان انهالت عليهما مقذوفات قطع الطماطة والخيار بطريقة بشعة نفذها بعض السماسرة والمتملقين من الصحفيين وبعد ان انتشر في أرجاء القاعة منتسبو حمايات بملابس العسكرية .

وفي مواجهة ذلك قام الزميل الخياط معترضا بالكلام عما يحصل ليتم اسكاته من قبل  بعض افراد الحماية ثم نهض من وسط القاعة الزميل المرحوم نبيل نوح الوادي مبديا اعتراضه واستغرابه فتقدم عليه أفراد من الحماية لاخراجه من القاعه وأخذه إلى مصير مجهول غير ان تدخل الزميل وليد طبرة حال دون ذلك واكتفى الزميل الوادي والذي كنت أجلس إلى جانبه بالتفرج مرددا ببعض الكلمات مع نفسه.

المشهد الاخير  :-

وبعد انتهاء المسرحية ومغادرة ممثليها واقتياد الزميلين الخياط وصبري إلى مكان ما احترت انا اين ارمي الطماطة خوفا من رؤية أحدهم لي ففضلت ان تبقى في جيبي حتى بلغت مطعم ماهر في بداية شارع الرشيد من جهة الباب الشرقي حيث اوصلــــني الزميل نزار الصافي بســـــــيارته الـ(نصر) الى هناك بعد قضينا الطريق بالحديث عن تلك المسرحية.

وفي المطعم لاحظ أصدقائي الذين كانوا جالسين فيه حيث كنا نلتقي وأذكر منهم سهيل ياسين وجمال كريم وعادل خلف ورزاق عداي وعزيز جاسم وحسين وعامر علي وناجي هجول وسيف الدين كاطع وكاظم مرشد وغيرهم لاحظوا ارتباكي يومها مما جعلهم أن يطرحوا أسئلتهم عن سبب غرابة الحال الذي أبدو فيه على غير احوالي في الجلسات بالأيام السابقة .

وكنت أول ما فعلته عند دخولي المطعم هم التخلص من حبات الطماطة في أقرب حاوية للنفايات ثم اوصيت عامل المطعم على ما اردت فاستقر بي الحال وإنا اشارك أصدقائي حواراتهم ونقاشاتهم ولكن ما سقط نظري على صحن زلاطة طماطة على المائدة حتى خلت المشهد المرعب فرحت ارمي كل قطع الطماطة في الصحون إلى اسفل منضدة المائدة فأستغرب أصدقائي من تصرفي وربما ظنوا اني قد فقدت وعي فاضطررت ان أروي لهم ما حدث فلم يصبهم الهلع والخوف والقلق مثلي فقد تعودوا على ذلك كما عرفتهم حيث كانوا يعيشون أيامهم القلقة على مدى سنوات طويلة وما كان منهم الا رفع انخاب كؤوسهم إلى أعلى مع قول احدهم مازحا بصحتك وسلامتك من الطماطة !!!!