لماذا فرَّ الصدر إلى إيران بعد إشعاله الفتنة؟

بعد "غزوة" اجتياح المنطقة الخضراء، وتخريب البرلمان، والاعتداء على النواب يوم 30/4/ 2016، الجريمة التي ارتكبها المتظاهرون بقيادة مقتدى الصدر وتياره، وتصفيق الشعبويين لهم من بعض الكتاب بذريعة محاربة الفساد، وباسم الديمقراطية، وحق التظاهر السلمي(1)، تكررت الجريمة عصر يوم الجمعة (19مايس/أيار الجاري)، حيث أقدم المئات من المتظاهرين ثانية على اقتحام المنطقة الخضراء، ومبنى مجلس النواب، وحتى مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي. ويا للمهزلة، فقائد القوة الأمنية المسؤول عن حماية المنطقة، في المرة الأولى خان مهمته في اداء واجبه الوطني، إذ بدلاً من حماية مؤسسات الدولة من المخربين راح يقبِّل يد مقتدى الصدر وأمام وسائل الإعلام، وسمح للمتظاهرين بدخول البرلمان لتدميره، فيا لها من إلتزام بالواجب!! فكيف لحكومة تريد إدارة الدولة بهكذا قادة أمنيين؟ ولكن في "الغزوة الثانية" يبدو أن القوة الأمنية قد أدت واجبها، فردت على المتظاهرين بما هو مناسب، وهنا تعالى الصراخ بضرب "مظاهرة سلمية".

كما ويبدو أن اجتياح البرلمان ومجلس الوزراء وصلت عدواه إلى المحافظات الجنوبية، إذ أفادت الأنباء أن "اقتحم المئات من المتظاهرين مبنى مجلس محافظة البصرة وسط المدينة، احتجاجا على "استهداف” المتظاهرين في العاصمة بغداد". وتكررت الحالة في الهجوم على مقر محافظة ذيقار.(2) فهؤلاء يريدون تدمير مؤسسات الدولة بدون رادع، وهذه هي الديمقراطية في زعمهم.

هذه الأوضاع الشاذة لا بد وأن وراءها عقول تخريبية مدبرة ذات امتدادات خارجية، وكما ذكرنا سابقاً، هي نفسها التي أعدت الاعتصامات في المناطق الغربية قبل عامين، والتي مهدت لداعش احتلال المنطقة بذريعة عزل وتهميش السنة. وهذه المرة يتم الهجوم على مؤسسات الدولة في قلب العاصمة، بحجة محاربة الفساد، وباختراق التيار الصدري ومباركته. ولكن الغرض الرئيسي هو تدمير العراق وإغراقه في فوضى عارمة، وإشعال حرب أهلية، يكون فيها الكل ضد الكل، ولا يعرف العدو من الصديق، كل ذالك باسم الديمقراطية وحرية التظاهر ومحاربة الفساد.

نعم حرية التظاهر مضمونة في النظام الديمقراطي، ولكن لها شروطها، إذ كما أشار الصديق الأستاذ طعمة السعدي في مقاله القيم، الموسوم: (حرية ألتظاهر مكفوله لكن لها شروطها وآدابها وأخلاقها..)، وذكر بعضاً من هذه الشروط منها على سبيل المثال:

(طلب إجازة للمظاهرة من الحكومة، بيان مكان وزمان إقامتها بالإتفاق بين شرطة ألمدينة وقادة ألمظاهرة، وإدراج أسماء قادة المظاهرة، وتعهد قادة ألمظاهرة أنها سلمية ولا تخرق ألقوانين ألمرعية، أو تعتدي على رجال ألشرطة، وألأشخاص، والممتلكات ألعامة، ويتحملون تبعات هذا التعهد..الخ)(3)

إلا إن هذه التظاهرات التي حصلت باسم التيار الصدري، لم تكن سلمية، ولا هي وفق أي شرط من الشروط المذكورة أعلاه، والمتبعة في الأنظمة الديمقراطية. ولكن مع ذلك وللأسف الشديد، نالت المديح والثناء والتحريض من قبل العديد من كتاب دعاة الفوضى.

فالفساد أيها السادة لا يمكن معالجته بتدمير مؤسسات الدولة، والاعتداء على القوات الأمنية، لأن هذه الطرق لا تخدم إلا أعداء الديمقراطية، وأعداء العراق وجعله غير قابل للحكم. وفي خضم هذه الفوضى يطلع علينا أياد علاوي للصيد بالماء العكر وذلك بـدعوة الحكومة "الى الحوار مع المتظاهرين واطلاق سراح المعتقلين". في الحقيقة هذه دعوة إلى المزيد من الفلتان الأمني وليس إلى "ضرورة الحفاظ على حرمة المؤسسات والنظام والممتلكات العامة" كما أدعى في بيانه العتيد. (4)

والسؤال هنا: لماذا فرَّ مقتدى الصدر إلى إيران؟

في الحقيقة بعد أن أشعل نيران الفتنة وحقق ما عجز عن تحقيقه الدواعش في الوصول إلى البرلمان وتخريبه، وشعر بفقدانه السيطرة على المتظاهرين والمخربين، لم يجد مقتدى الصدر أمامه في الخروج من ورطته والتنصل من مسؤوليته من كل ما حصل، إلا الفرار إلى إيران. في أول الأمر أنكرت وسائل الإعلام الإيرانية نبأ سفر الصدر إلى طهران، ولكن الأنباء الأخيرة أكدت وجوده في مدينة قم الإيرانية وإلى أجل غير مسمى، وأن زيارته ليست رسمية، ولم يقابل أي مسؤول إيراني. فما هو مغزى سفر الصدر إلى إيران واعتكافه في قم؟

المعروف عن هذا الرجل أنه شعبوي، يحب الزعامة والظهور وقيادة الجماهير البائسة، مستغلاً تضحيات أسرته ومكانتها الدينية في الوسط الشيعي، ولكنه في نفس الوقت ذو ثقافة هابطة جداً دون الابتدائية، ولا تتعدى قراءة بعض الكتب الدينية، فهكذا إنسان من السهولة استخدامه كحصان طروادة. وربما تأكد أن أعداء العراق من الدواعش خدعوه فتظاهروا باسمه، وتم اختطاف تياره وتوجيهه للتخريب ومن تحت عباءته حققوا ما عجزوا في تحقيقه بالغزو المباشر واحتلالهم للمحافظات ذات الأغلبية السنية.

إن موقف مقتدى الصدر هذا يذكرني بما قاله الرئيس جمال عبدالناصر في الستينات من القرن الماضي مؤنباً علي صالح السعدي بعد جريمة 8 شباط 1963، وانفلات الأمور من أيدي البعثيين، أن قيادة الدولة ليست كقيادة مظاهرة. ولعل مقتدى الصدر وجد نفسه في نفس ورطة السعدي حتى وقبل أن يقود الدولة.

إن دواعش اليوم هم أبناء وأحفاد مجرمي إنقلاب 8 شباط 1963، ففي صباح ذلك اليوم الأسود، وكنتُ في القطار الصاعد من البصرة إلى بغداد، تلقيت مع غيري من المسافرين نبأ الجريمة بالراديو الترانسستر، وعند مغادرتي القطار في المحطة العالمية، توجهت إلى ساحة التحرير فشاهدت الساحة وشارع الرشيد والجمهورية والسعدون غاصة ببحر من الجماهير وهي تهتف بصدق (ماكو زعيم إلا كريم). وكنا نشاهد الدبابات والمدرعات قادمة من جسر الجمهورية، وضباطها يحملون صور الزعيم وهم يرددون نفس الهتاف لتفسح لها الجماهير الطريق للتوجه إلى وزارة الدفاع لضرب المتآمرين، وتبين فيما بعد أن هؤلاء الضباط كانوا من الانقلابيين، واستخدموا صور الزعيم والهتاف من أجل خدع الجماهير، ومن ثم ضرب ثورة تموز وقيادتها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فهؤلاء استغلوا الجاهل مقتدى الصدر، وتياره الأجهل لضرب الديمقراطية وإعادة العراق إلى ما قبل 2003.

على الدكتور حيدر العبادي، كرئيس السلطة التنفيذية، والقائد العام للقوات المسلحة، الالتزام التام بواجبه الدستوري في حفظ أمن وسلامة الشعب، والضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بأمن الشعب المبتلى بهؤلاء المخربين، ومن وراءهم من الكتاب الشعبويين الذين يجملون لهم جرائمهم باسم مكافحة الفساد، وهو قول حق يراد به باطل، خاصة في فترة تصاعد انتصارات القوات الأمنية على الدواعش من فلول البعث المقبور. فمن واجبات الكاتب ليس التزلف للجماهير وتشجيعها على التخريب، فهذه غوغائية مدمرة، وقد وصفهم الإمام علي بأنهم (همج رعاع ينعقون خلف كل ناعق).

فمحاربة الفساد، وحرية التظاهر لها قوانينها وشروطها، ولا تتم بضرب مؤسسات الدولة والاعتداء على المسؤولين، بل هذه الأعمال هي محاولات يائسة لتحقيق ما فشل في تحقيقه على أيدي الإرهابيين الدواعش، كما سهلت هذه التظاهرات الأعمال الإرهابية من التفجيرات في بغداد والحلة وغيرهما.