جدوى القروض الخارجية

 

في وقت تتجه الانظار صوب المباحثات التي خاضها وفد حكومي عراقي رفــــيع المستوى مع صندوق النقد الدولي في العاصمة الاردنية عمان مؤخراً لابرام اتفاق من شأنه اقراض العراق مامقـــداره 16 مليار دولار ، تتباين الاراء حيال هذا القرض وكل يحمل منطلقات بعضها يقترب من الدقة والموضوعية وبعضها طوباوي غير دقيق .

ولان بعض الاراء تصدر من مسؤولين وبرلمانيين ونخب تدعي الخبرة والمراس ، فأن الامر يقتضي ان نناقش موضوعة الاقتراض الخــارجي بتجرد وموضوعية ، ذلك ان البلد لايختلف اثنان على انه يمر بازمة مالية خانقة جعلت من الموازنة العامة تشغيلية بامتياز ، فــي وقت بررت الحكومة سعيها الحثيث للاقتراض الخارجي  لسد العجز المالي الكبير الحاصل في الموازنة الاتحادية ، وهذا الســعي مع منظمات دولية كهذه يتطلب صبراً وأناة في سير المفاوضات ، ذلك ان هذه المنظمات عادة ماتطرح اشتراطات عامة، وهذه الاشتراطات في مفهومها العام تدخل في اطار الاصلاحات الاقتصادية والتحسينات في الســياسات المالية ، إلا انها في أحايين كثيـرة لابد ان تتسق مع طبيعة الاقتصاد العراقي والظروف المحيطة به والاختلالات المتراكمة التي يعاني منها والتي تتطلب حزمة من الاجراءات ليست اقتصادية فحسب ، بل حتى سياسية وقانونية ، الامر الذي يتطلب حنكة في المفاوضات مع المنظمات الدولية ومفاوضين بارعين لتقليل او تغيير سقف الاشتراطات ، وهذا مايجعلنا إزاء سؤال جوهري مفاده ( هل يقدر المفاوضون العراقيون على طرح الرؤية العملية والعلمية المناسبة لواقع الاقتصاد العراقي؟) ، مع الاخذ بالحسبانان صندوق النقد الدولي قد اعلن قروضا ميسرة طويلة الامد وبواقع 1,5 بالمئة كسعر فائدة ، وهذه احدى الشروط الميسرة .

وبغض النظر عن هذه الاشتراطات فاننا ندعو الحكومة الى السعي جاهدة لتحريك عجلة الانتاج في الاقتصاد الراقي كبديل ناجع وفسح المجال للقطاع الخاص الحقيقي وليس (الطفيلي) ان يمتلك زمام المبادرة سواء اكان في القطاع الصناعي ام الزراعي وتفعيل الاستثمار ومنح القروض الميسرة وهذا يعد احدى اهم البدائل المتاحة والتي تعتبر من العلاجات الناجعة لمواجهة الازمة المالية ، حتى ان القروض المستحصلة من صندوق النقد والبنك الدولي لابد من استثمارها تنموياً، وان كانت كل من هاتين المنظمتين قد اعلنتا عن ذلك بوضوح تام، لكن لابد للمفاوضين العراقيين ان يضعوا الاولويات المهمة للقطاعات الاقتصادية والمشاريع التنموية المهمة التي تمثل الحاجات الاساسية وهذه تكاد تكون غاية في الاهمية لتحديد الاولويات بحسب الحاجة سعياً لاستثمار هذه القروض استثماراً امثل .

ولابد من الاشارة هنا الى عدم الذهاب بعيداً في الاقتراض الخارجي ، لان ذلك سيثقل كاهل الاقتصاد العراقي مستقبلاً والاتجاه الى علاجات بديلة والتعامل بواقعية مع معطيات الواقع وترك التنظير الذي يذهب اليه بعض المستشارين والتي اثبتت رؤاهم في مناسبات عدة فشلها وعدم اتساقها مع معطيات الواقع المعيش للاقتصاد العراقي .