حلم التكنوقراط واقتحامات الخضراء |
لقد بات معروفا ان اغلب الحكومات في العالم المتحضر يديرها من قبل وزراء تكنوقراط وان هذه الوزارات تتشكل بهدوء ومن دون ضجيج اعلامي وتجاذبات سياسية تهدد العملية السياسية في بلدانهم .انه لامر طبيعي ان تشكل حكومة من وزراء اصحاب اختصاص وكفاءة لها صلة بطبيعة عمل الوزارات وتوجهاتها في الشؤون الفنية والعلمية وبالتالي فليس من المستغرب ان تشكل حكومة يتسم جميع وزرائها بهذه السمة الفارقة والتي تؤهلهم لقيادة وزاراتهم بنجاح وقد لا نذهب بعيدا لنقول اننا قد شهدنا في العراق نفسه وفي ظل العهد الملكي تشكيل عدة وزارات يتمتع وزرائها بصفة التكنو قراط وقد شكلت تلك الوزارات بيسر ومرونة ومن دون اية تعقيدات اعترضت تشكيلها لذا فأن تشكيل مثل هكذا وزارات يُعد امرا طبيعيا لا تعتوره أية معرقلات تذكر .لكن ما يحدث في العراق اليوم يثير دهشة العالم واستغرابه بسبب وجود نهج ورغبات من الكتل السياسية تواصل سعيها لافشال تشكيل اية حكومة تتسم بالمهنية والاختصاص والغريب ان رئيس الوزراء باستطاعته ان يشكل حكومة جديدة وتعيين واقالة الوزراء واختيار وزراء غيرهم من دون الحاجة للذهاب الى مجلس النواب وان الامر لا يتطلب سوى التصويت على الوزراء الجدد في النهاية والمصادقة عليهم من قبل مجلس النواب فحسب الامر الذي يدعونا الى القول ان السيد رئيس الوزراء لا يملك سوى الاصرار على عدم فهم صلاحياته الدستورية التي تخوله ذلك وبالمقابل فأن الشعب ليس بحاجة ابدا الى الاحتجاج والتظاهر والدعوة الى تشكيل حكومة مختلفة عن حكومة المحاصصة وكأن امر تشكيل حكومة التكنو قراط قد اصبح حلما في حين لو ان الامور كانت تجري مجرى طبيعيا وبسياقاتها المعتادة كسائر دول العالم فأن تشكيل مثل هذه الحكومة المهنية يُعد امرا طبيعيا للغاية .وحقيقة الامر هو ان ما يحدث في العراق من مجريات انما يمثل عكس ما يحدث من مجريات في العالم فلا يستدعي الامر اذن ان يحلم الشعب بتحقيق حلم كهذا ويدعوا الى تحقيقه بخلاف ما يحدث بشتى بقاع العالم .ونقول لا غرابة في ذلك طالما ان اغلب الكتل السياسية تنظر للحقب الوزارية على انها جزء من مكاسبها التي لا يمكن التنازل عنها مطلقاً بل ذهبت بعض الكتل الى اعتبارها ملكا لها او من ممتلكاتها العقارية التي لا تتخلى عنها ابداً لدرجة ان الوزارات السيادية مثلا قد اصبحت حكراً لجهة سياسية بعينها منذ فترة طويلة ووصل الامر ببعض الكتل الى اعتبار هذه الوزارة او تلك من حصتها وجزءً من استحقاقها الانتخابي لاسيما وانها تدر ارباحا لا طائل لها لكتلهم وبموجب ذلك اصبح التمسك بهذه الغنيمة المشفوعة بأشتراطات المحاصصة ونوازعها الطائفية امراً لا مناص منه حتى انها اصبحت تطرح علناً ويروج لها بصورة فاضحة في وسائل الاعلام وقد انصاع الناس لزمن طويل الى فكرة الحلم الذي يكاد ان يصبح اسطورة اسمها التكنو قراط وللاسف فأن هناك الكثير ممن اسكرهم هذا الحلم وجعلهم يتطلعون اليه مترعين بالامنيات النابعة من خساراتهم وخيباتهم المتكررة بعد ان فقدوا الامل بالوعود البراقة والاكاذيب المنمقة من قبل السياسيين وادت خيبة الامل تلك الى قيام المتظاهرون باقتحام المنطقة الخضراء ومجلس النواب ومكتب رئيس الوزراء والامانة العامة لمجلس الوزراء بعد ان اضنتهم الوعود التي لا طائل من ورائها مع ان الكل يعرف ان حكومة التكنو قراط المرتقبة والتي يتم تشكيلها وتطرح اسماء وزرائها على شكل دفعات لا تحمل العصى السحرية التي بمقدورها تغيير الاوضاع السائدة بطرفة عين ومعالجة ما تمخضت عنه العملية السياسية من مشكلات جمة هي في غاية التعقيد ووليدة تداعيات متراكمة للعملية السياسية وما دام الامر كذلك فأن عدد محدود من الوزراء لا يمكنه على الاطلاق التصدي لكل هذه التعقيدات الناجمة عن فترة زمنية طويلة مليئة بمظاهر التخبط السياسي والفساد والعبث بالمال العام وعليه فان استبدال اسماء الوزراء بغيرهم لا ينتج وعياً فورياً بمواجهة آفة المحاصصة والدفع بالاصلاح الى درجاته القصوى فليس بمقدور المواطن والحالة هذه تلمس أي تقدم في الخدمات او تحسن في المعيشة وسينتج عن ذلك نوع من اليأس لدى المواطن لاسيما وان حكومة التكنو قراط التي اجزم انها لا تخلو من اسماء سيرشحها رؤساء الكتل السياسية انفسهم و لذلك فأنها لم تكن بأي حال من الاحوال المنقذ الذي ظل ينتظره العراقيون بفارغ الصبر فالتغيير الوزاري المزمع اجرائه بهذا الشكل الذي يفتقر الى الحلول المنتظرة لا يمثل سوى جزئية بسيطة من واقع الحال وان التشكيلة الوزارية الجديدة والتي اصبحذت حلم بعيد المنال ولو تم تشكيلها افتراضاً فأنها لا تنتج سوى حلولاً ترقيعية لا ترقى الى ما يحلم به المواطن العراقي من حلول اصلاحية ناجزة . |