الكذّابون

 

أي رجل حصيف وصاحب موقف سيزعل عليك كثيراً اذا قلت له انك كذاب!.

فالكذب ليس من شيم العقلاء ذوي العقول الرصينة التي تعرف حالها وما عليها وان تتهم انساناً بانه كاذب سوف يعرضك الامر الى ما لا تحمد عقباه لان الكذب صفة غير مرغوبة لا اخلاقياً ولا اجتماعياً.

ولكنك تعاني يومياً من سيل جارف من الكذابين الذين ابتلينا بهم في حياتنا السياسية والاجتماعية فهم يطلون عليك من على شاشات القنوات  وما اكثرها فيشبعونك بسين الاستقبال خاصة وهم من اصحاب القرار، وسنعمل كذا وسنبني كذا وسنؤسس كذا  وسوف نجعل الانسان يعيش برفاهية لا يعيشها سكان النمسا وسوف نجعل مفردات البطاقة التموينية كافية ويزيد منها الكثير ولقد قال لنا أحدهم ذات يوم بان البغداديين سوف يتبغددون فلاذاق العراقيون منه ولا من سواه بغددة ولا هم يحزنون!، بل ها هم الان يعانون من الضنك المادي والاقتصادي فالموظفون منهم لم تعد رواتبهم كما كانت وهي رواتب محاطة بسلسلة من العناءات تبدأ بالايجارات ولا تنتهي بالقروض والسلف وخطوط المواصلات للابناء في المدارس والجامعات. اكذب ثلاث مرات حتى تصدق نفسك في المرة الرابعة، واكذب واكذب على الناس حتى يستحيل الكذب عندهم الى حقيقة حتى لو في عالم الاوهام والتخيلات، فالصدق نقيض الكذب صار معدوماً في اجندات ذوي الامر والشأن، بل اصبح الصدق عيباً اخلاقياً لا ينبغي التقرب منه والدنو من ناره خشية الاحتراق بلهيبها القوي!

واذا كان العالم قد تعود على الاول من نيسان في صنع كذبة بريئة يتداولها الاصدقاء فيما بينهم، فالعراقيون يعيشون الاول من نيسان طوال ايامهم، فكل يوم من ايامهم هو الاول من نيسان بعد ان شبعوا من الكذب السياسي على ذقونهم ولحاهم وشواربهم وبعد أن خاضوا غمار الصدق فلم يجدوا بين جنبيه الا سيولاً من الكلام المنمق المليء بالمغالطات والامنيات العقيمة  والكذب المفضوح. واذا كانت الكذبة لا سيقان لها كما يقول الفلاسفة فنحن صنعنا لها اكثر  من ساقين بل وجعلناها تمشي على قدم ثالثة ايضاً، وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون اخيه!