عبرة دون معتبِر ..!

إحياء مناسبة ، أو إستذكار حدث مهم تراجع بالامة الى الوراء ، أو تقدم بها الى الامام ، هو لأخذ العبرة منه ... أي في البناء على ما هو ايجابي منه وتعزيزه ، أو تجاوز السلبي فيه ، لكي تعود الامور الى تصابها الصحيح .. وفي السادس عشر من أيار / مايو الجاري مرت الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو التي وقعها نائب وزير الخارجية البريطاني مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي فرانسو جورج بيكو بحضور روسيا القيصرية لاقتسام النفوذ بين الدولتين ، بعد أن دخلت الدولة العثمانية مرحلة الرجل المريض بعد الحرب العالمية الاولى ، وحان تقسيم تركته وهو في حياته قبل أن يموت ...
ولا نريد ان ندخل في التفاصيل فقد أشبعت هذه الاتفاقية بحثا وتعليقا ، لكن يبدو أنها لم تكن موضع عبرة وإعتبار من دول المنطقة ، وبالذات الدول العربية التي باتت على شفا هاوية التقسيم ، أو منها ما قسم بالفعل على الارض ، أو في الشعور ، ورسم خارطة جديدة للمنطقة سيكون العرب الخاسر فيها مرة اخرى ، ولكن هذه المرة على يد أبنائها ، و هم شركاء في عملية التقسيم الجديدة .. ولم يعد سرا الحديث عن تقسيم الدول العربية وبالذات التي تشهد ازمات لا تزال مستمرة منذ سنوات كسوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان ناهيك عن الدول الاخرى التي تشهد أحداثا متفرقة زمنيا ، وقد يبدو انها تحت السيطرة ، لكن المخططون يدفعون باتجاه التصعيد لتحقيق الهدف .. وهو
التقسيم سواء برغبة بعض الاطراف ، أو تصعيد الاحداث لتصب في هذا الخيارالمر ، وقد اصبحت واضحة ، وفي العلن ، وعلى المكشوف وبتصور واهم أنها من وسائل الحلول !.. واذا كانت فلسطين قد ضاعت في الاتفاقيا ت والخلافات السابقة بين العرب ومنهم أهلها ، فان دولا محورية قد سقطت من الحسابات في معادلة التوازن والردع ، ولذلك ستكون الخسارة هذه المرة أكثر ، واعظم وستضاف لفلسطين نكبات عربية اخرى .. والتقسيم هو الضمانة ليس لبقاء ( اسرائيل ) فقط ، وانما لتكون هي الاقوى وسط هذه الفسيفساء على حد قول الاستاذ الفخري لدراسات الشرق الاوسط في جامعة برستون ( برنارد لويس ) المستشرق اليهودي ، البريطاني الاصل والامريكي الجنسية ، الذي أعد دراسة نشرتها مجلة الدفاع الامريكية اوائل الثمانينات من القرن الماضي ... وتكشف الدراسة عن المخطط الأخر الجديد وهو تفتيت المنطقة اكثر مما هو عليه ، وذلك بانشاء كيانات جديدة ، وجعلها 8 8 دولة بدلا من 56 دولة ، وكل دولة من تلك الدول تعرف حصتها من هذا التقسيم ، لأن الدراسة منشورة ، وبالأمكان الرجوع اليها ، وكتبت شخصيا عن هذا الموضوع مرتين ... ولم يعد التقسيم تنظيرا على الورق ، بل دخل حيز التنفيذ بعد أن قسمت السودان الى دولتين ، وما هو مخطط لها في هذه الدراسة أن تصبح ثلاث دول ... وهكذا للبقية لتخرج من خانة الدول ، وتصبح دويلات وطوائف وعشائر وأحزابا . فهل من مُعتَبِر ...؟!