بغداد – لم يسلم قطاع من قطاعات ما تبقى من الدولة العراقية التي بناها المستعمر البريطاني والأمريكي ومن ثم اشترك الإيراني لاحقا، من وباء الفساد الذي أستشرى في كل أوصال هذه الدولة المنهارة، وتم تشكيل حكومة نوري المالكي كلها على مبدأ الفساد وسرقة أموال الشعب العراقي التي أعتبرتها الكتل والأحزاب السياسية غنيمة كبيرة.
ولا شك أن مؤسسة الجيش والشرطة لم تكن بمنأى عن استشراء الفساد فيها، بل أن التقارير المحلية والدولية أكدت أن وزارة الداخلية والدفاع من أكثر الوزارات فسادا، وقد تفشى فيها مؤخرا الفساد بشكل كبير.
فهناك شريحة من الجنود والضابط أصبحوا يتنازلون عن رواتبهم لصالح قائدهم المباشر لقاء الإعفاء من الدوام، وبعضهم يقدم الرشاوى الكبيرة من أجل أن ينقل لموقع أكثر راحة، أو فيه موارد للسرقة.
وتكشف دائرة الشؤون الرقابية على الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية عن تورط قائد الفرقة الاولى في الشرطة الإتحادية، بتسريح 82 مستخدما لديه يتلقى من كل واحد منهم 200 ألف دينار (16.4 مليون)، مقابل ضمه إلى صفوف حمايته من أجل البقاء في المقر واعفائه من الواجبات والوقوف بالسيطرات.
الى ذلك، حمل عضو بلجنة الأمن والدفاع البرلمانية، نوري المالكي ومكتبه الخاص مسؤولية استشراء الفساد في الاجهزة الأمنية، منتقدا توزيع المراتب العشوائية الذي اسهم بهذا الموضوع، فضلا عن بناء دولة العسكر التي حولت هذه المراتب إلى حكام على جميع الدوائر المدنية الأخرى.
وقال جنود السيطرات الأمنية في بغداد، إن "المنتسبين المتغيبين لقاء ثمن يدفعونه لقادتهم معروفون لدينا، ففي كل فوج تجد ما لا يقل عن 100 منتسب، وكلما كثر عدد المنتسبين كلما زاد عددهم".
واشار منتسبو السيطرات الأمنية الذين طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم بشكل صريح، إلى أن "مشكلة المنتسبين تكمن في زيادة الضغط على المنتسبين الملتزمين، إذ يضطر بعضهم إلى قضاء 15 إلى 12 ساعة يوميا بدلا من 6 إلى 8 ساعات في الواجب".
وذكر نائب العريف (م.هـ) "في فوجنا اكثر من 170 منتسب، وهؤلاء لو التحقوا لاصبح دوامنا اكثر اعتدالا، وستكون فاعليتنا اكثر ايضا، لأن وجودنا في الشارع اكثر من الساعات التي تجود به طاقتنا يحملنا جهدا اكبر، الامر الذي يؤدي إلى قلة تركيزنا، فضلا عن شعورنا باللامبالاة تجاه العجلات والحركات المشبوهة من حولنا".
واضاف الجندي (ص.ر) أنه "لو كان لدي مورد مالي جيد، لكنت حولت نصف راتبي لآمر الفوج، وبقيت في منزلي، لكني بحاجة للمال، فكيف لي التبرع بنصف راتبي لشخص مرتبه يصل ثلاثة اضعاف راتبنا".
منتسبون في مديرية الدفاع المدني لفتوا إلى أن "المنتسبين المتغيبين يكثرون كلما تغير الدوام الرسمي، وانعكس سلبا على المنتسبين، وان المبلغ الذي يدفعه أزداد من 500 إلى 750 ألف بسبب الدوام المجحف بحق منتسبي الدفاع المدني".
من جانب آخر، أقرت دائرة الشؤون في وزارة الداخلية باستمرار هذه الظاهرة بالرغم من ضبطها مراتب عليا في الداخلية متورطة بأخذ رشى من عدد غير قليل من المنتسبين من أجل اعفائهم من الدوام.
وذكر مصدر مسؤول في الدائرة، "سبق وان رفعنا العديد من التقارير ولكن البيروقراطية تحول دون حسمها، اضافة الى ان التستر على المفسدين في اصل اللجان التحقيقية يتم بشكل فاضح، ومعظم تقاريرنا لا تأتي بنتائج لهذه الاسباب، وهو يشكل ابرز اسباب فشل الاجهزة الامنية".
وكشف المصدر عن "تورط ممثلي الشؤون والمفتش العام وقادة سرايا وفرق وافواج ومراتب عليا بالظاهرة"، مؤكدا اعداده "تقريرا يتعلق بقائد الفرقة الاولى في الشرطة الاتحادية، لتورطه بتسريح 82 منتسبا، ويتلقى من كل واحد منهم 200 ألف دينار ليكون ضمن حمايته من أجل البقاء في المقر، واعفائه من الواجبات والوقوف بالسيطرات".
وأضاف إن "جولاتنا التفتيشية اصبحت غير فعالة بسبب عدم قدرتنا التعمق بالتحقق من عدم اكتمال عدد الجنود في الافواج والنقاط الثابتة والسيطرات، نظرا لوجود مراجع عليا مستفيدة من المنتسبين الغائبين".
ونبه إلى "وجود كارثة فساد أخرى تسمى بدل طعام"، مبينا أنه "يتم استقطاع 90 ألف دينار من كل منتسب، لكن اصناف الاكل المقدمة بائسة إلى درجة كبيرة، وذلك بسبب لجنة الطعام التي يشكلها آمر الفوج أو اللواء".
ولفت إلى أن "اللجنة وفق القانون يجب أن تبدل كل شهرين أو ثلاثة، لكنهم لا يستبدلون افراد اللجنة، إذ أن بعضها مضى على عمرها نحو سنة، تقدم للجنود طعاما بائسا وبعضه منتهي الصلاحية، حتى رصدنا حالات تسمم".
واستدرك "لكن تقاريرنا تجمد فور وصولها، نظرا لتورط المراتب العليا في الوزارة بالموضوع".
وعلق عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية شوان محمد طه على الموضوع قائلا إن "المنتسبين والضباط يدخلون في خانة الفساد المستشري بالمؤسسات الأمنية والمدنية على حد سواء، لكن الفارق أن الفساد الامني يختلف عن الفساد المدني"، في اشارة إلى خطورته على الأمن الوطني.
واضاف طه أن "الحكومة قصرت في استحداث تشكيلات أمنية جديدة وزيادة عدد الافراد الأمنيين، إذ كان الأجدر بها اللجوء إلى تنظيم وتفعيل الأجهزة الأمنية الموجودة". وانتقد "توزيع المراتب التي توزع بشكل عشوائي".