التجنيد في إسرائيل وما يمكن للعراق أن يتعلم منه

التجنيد العسكري أو التجنيد الاجباري لمواطني البلد لأداء الخدمة العسكرية. في العصر الحديث، يعني عادة أن الشباب يطلب للخدمة في القوات المسلحة والتفرغ بعض السنوات للقيام بهذه المهمة، وبعد ذلك، يتم الاحتفاظ بالمجندين في الاحتياطي لفترة لتشكيل الجزء الأكبر من قوة القتال فقط في أوقات حالة طوارئ.
واحدة من البلدان التي مازالت اليوم تمارس التجنيد هي إسرائيل. منذ اعلان قيامها في عام 1948 حيث يطلب من الرجال والنساء عند بلوغ سن 18 عاما للخدمة في الجيش لمدة 30 و 18 شهرا على التوالي. ويتساءل المرء في هذا الوقت فيما إذا كان التجنيد الإجباري ضروريا أو مرغوب فيه بالنسبة لإسرائيل.
وكان السبب الأول الذي استدعى فرض التجنيد في إسرائيل هو النقص في اليد العاملة وحالة الحرب المستمرة مع جيرانها وربما أدرك قادتها أنهم في حاجة إلى تجنيد جيش بسرعة . كان هذا بالغ الأهمية لأن إسرائيل خاضت حرب الاستقلال مع العرب لحظة الإعلان عن إنشائها.
قدرة الدول العربية على تجنيد سكانها كانت اكبر وهو ما مكن هذه الدول من بناء جيوش أكبر بسهولة واستمر الحال حتى حرب الأيام الستة عام 1967، كان لإسرائيل 000 240 جندي فقط مقابل 340 ألف لخصومها العرب وكان التهديد المستمر بالحرب من قبل جيرانها العرب مثل مصر اهم سبب للتجنيد الاجباري حيث تتواصل حالة التوتر في المنطقة، وتضطر اسرائيل للاعتماد على هذه الالية المركزية لحماية وجودها، ومن أجل تحقيق هذه النتيجة بشكل صحيح والحفاظ ايضا على توازن القوى في المنطقة من خلال قوات عسكرية مسلحة قوية حصلت عليها الدولة من التجنيد الاجباري وليس من خلال وسائل الجيش المحترف وونجحت اسرائيل بتحقيق هذا بسرعة وضمنت توفر المقاتلين.
من شأن الوسائل التعاقدية للحصول على القوات من خلال متطوعين من المواطنين أو مرتزقة ان تستغرق الكثير من الوقت أو تؤدي إلى صراع على السلطة وحتى لو كان لإسرائيل عدد أكبر من السكان، فإن التكلفة المطلوبة لجذب عدد كاف من الجنود المحترفين تكون ضخمة. ومن شأن الإنفاق العسكري الضخم استنزاف الأموال اللازمة لتنمية البلاد في المراحل المبكرة.
هذه هي العوامل التي مكنت اسرائيل ان تتحمل الحرب رغم انها كانت دولة جديدة. وبكلفة اقل في نفس الوقت، وعبر فترة تدريب بدوام كامل، وتجديد الاحتياطي سنويا في مخيم لمدة تصل إلى 45 يوم. هذه هي أرخص وسيلة للحفاظ على جيش احتياطي كبير على أهبة الاستعداد دائما من دون دفع الاموال لجيش محترف بحجم مماثل على مدار السنة. وخلال وقت السلم، فإن معظم الاحتياطي العسكري يستطيع البقاء في وظائفه المدنية وبالتالي المساهمة في الاقتصاد. لكن في حال وقوع حرب كبيرة واستدعاء اعداد ضخمة من قوات الاحتياط إلى ما لا نهاية سيهدد وجود الوظائف المدنية وهو ما سيؤدي إلى خسائر اقتصادية أكبر. هذا الامر يقيد أيدي المخططين العسكريين ويدفعهم للابتعاد عن الصراعات الطويلة واللجوء إلى المعارك القصيرة والحاسمة.
الولايات المتحدة لجأت الى التجنيد الاجباري الواسع خلال الحرب العالمية الثانية وللتخفيف من حدة مشكلة نقص الايدي العاملة اعتمدت على التشغيل الواسع للنساء في المصانع لكن نفس الحل لا يمكن أن ينجح في إسرائيل أو أي بلد آخر لأن اعداد المجندين النساء العاملات اصلا عالية ولذلك فأن التجنيد الاجباري غير مرغوب فيه كثيرا في حالة النزاع الطويل، ولذلك فان القادة الاسرائيليين يركزون كثيرا على عامل الوقت في تخطيطهم العسكري للمعارك لتجنب الازمة الاقتصادية.
ولكن ماذا عن العراق؟ أعلنت وزارة الدفاع العراقية خطة للتجنيد في العامين المقبلين. تلقت خطة استجابة سلبية ساحقة من الشباب عبر استذكار حال المجندين في عهد صدام حسين الشنيع كمثال في حين قالت الحكومة العراقية أن هذه المبادرة هي لتوحيد الشعب العراقي ضد الاعداء ولتجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية في الوقت الذي يقاتل الجيش العراقي داعش على الجبهة.
من جهتها ترى القيادات الكردية في التجنيد الاجباري أداة من أدوات القمع التي تستخدم لقمع المشاعر القومية الكردية ولا أحد يعرف ما سيحدث في غضون عامين ولكن هذا الموضوع سيخلق الكثير من الجدل حتى ذلك الوقت.