دولة الإنسان منطلقاتها ومطلوبيتها وخطوات التنفيذ ح8 اكتمال الكرامة

نكمل قراءتنا فيما جاء في الخطاب الفاطمي الحادي عشر للمرجع اليعقوبي فبعد أن تحدثنا في الحلقة السابقة عن " حفظ الكرامة " نتحدث في هذه الحلقة عن "اكتمال الكرامة"، فنقول:نص ما جاء في الخطاب الفاطمي عن الموضوع :"إن كرامة الإنسان تتوفر بتمتعه بحقوقه في الحياة من الحرية والأمن والاستقرار والرفاء وسائر مستلزمات الحياة الكريمة، لكنها تكتمل بأمرين:-1-الالتزام بالدين، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إن الله قد أكرمكم بدينه وخلقكم لعبادته، فانصبوا أنفسكم في أداء حقه) ، وروي عنه (عليه السلام) قوله: (كل عز لا يؤيده دين مذلّة).2-طاعة الإمامة الحقة والقيادة المنصوبة من الله تعالى بالحجة الشرعية، فقد جاء في الآية التالية لآية التكريم هذه قوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(الإسراء:71)، وهذا شاهد على ارتباط كرامة الإنسان وانسانيته باتباع الإمامة الحقة.وقد وصف الله تعالى عباده المكرمين بقوله: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (الأنبياء:26-27) فهذه هي صفاتهم: متنزهون عن اتباع الشهوات التي تذل الإنسان وتهينه، دائبون في طاعة الله تعالى فاستحقوا منه المقام الرفيع (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(يس:26-27).إن اعتداء الإنسان على كرامة أخيه الإنسان وسلبه حقوقه تبدأ من حين تخلي الإنسان عن كرامته الشخصية واتباعه لشهواته ورضاه بعبودية نفسه الأمّارة بالسوء أو طاعة غيره من العبيد، عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: (من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (أذلّ الناس من أهان الناس)". انتهى. يحدث الخلط كثيراً بين ما ينبغي توفره ليتمتع الإنسان بحياة تحفظ له كرامته وبين ما يكمل هذه الكرامة، فحقوق الإنسان في الحياة من الحرية والأمن والاستقرار والرفاء توفر له حياة كريمة وهي مطلوبة بلا شك وينبغي أن تكون معياراً لتقييم أي أداء ومنهج سواء بالتوفير أو السعي لذلك أو وضع برامج عملية لها، ولكن للكرامة ما يكملها، أي إنها بدون تكون غير كاملة فتصبح ما ينبغي توفره لحفظ الكرامة هو الغاية وليس الكرامة نفسها!أو يكون طلب ما يحفظ الكرامة بأساليب وأسس غير صحيحة أو لغايات غير صحيحة.وبحسب النص من الخطاب الفاطمي محل البحث فإن الكرامة تكتمل بأمرين:الأول: الالتزام بالدين:ولنا بخصوص هذا الموضوع التوضيحات الآتية:1-لا شك إن هناك أديان عدة-وهذا من واضحات الواقع-فأي دين هذا الذي يكون الالتزام به مكملاً ؟عدم الإيمان بدين مطلقاً نقص كبير ومقدمة واضحة لهدر الكرامة الإنسانية-يمكن مراجعة سلسلة مقالاتنا "عندما يكون الإلحاد دولة" لتتضح لكم صورة ذلك-، أما الإيمان بوجود خالق -وهو الحد الأدنى من الإيمان- فهو يحقق مقداراً من التكميل، وكلما كان الدين أكمل كلما كان التكميل أتم.2-للدين نفسه صور وتفسيرات -وسلوكيات عدة على ضوء هذه التفسيرات- عدة، فأي صورة هي المكملة؟كما قلنا في النقطة السابقة، الصورة الأكمل هي التي تحقق التكميل، أما كيف نعرف الدين والصورة الأكمل فليس هنا محل إثباته ولكن يمكن القول كما ذكرنا في حلقات سابقة إن تحقيق الكرامة يمكن أن يكون دليلاً على ذلك، وقد يرى البعض إن هذا الكلام يستبطن دوراً أو تسلسلاً  فنقول لا دور ولا تسلسل إذا ما دققنا فهناك صورة واضحة للكرامة الإنسانية يمكن اتخاذاً معياراً ودليلاً على قبول منهج أو رفضه، وهناك دقيات تكميلية وتهذيبية للكرامة نفسها تتحقق وفق هذا المنهج الصواب بعد أن عرفناه بدليل الكرامة نفسه.3-عبارة المرجع اليعقوبي دقيقة جداً فلم يقل إن المكمل هو الإيمان بالدين هو المكمل بل قال "الالتزام بالدين".فالإيمان بالدين-أو ادعاء ذلك- دون انعكاس فعلي على السلوك لا قيمة له ولا يعد مكملاً للكرامة إلا بمقدار محدود جداً، فالمكمل هو السلوك الصحيح المنضبط دينياً والمغيا دينياً، لأنه ينعكس فعلاً واقعياً يحفظ الكرامة ويكملها ويحفز على ذلك ويستجلب التوفيق والدعم والمدد الإلهي الذي لا يستجلبه الادعاء الفارغ مهما كبر عنوانه وعلا ضجيجه.4-عودة على نفس كلمة "الالتزام بالدين" ودقتها، نقول إن هناك مستوى من الالتزام بالزامات الدين-وهي نفسها الالزامات الأخلاقية الفطرية مع تهذيب وغاية- بدون الإيمان أو الالتفات لذلك، وهو يحقق شيء من التكميل للكرامة بلا شك ولكنه ليس مصححاً للاعتقاد ولكنه دليل على المشترك الفطري، وهو-بمستوى من المستويات- أفضل من الادعاء الفارغ مع سلوكيات مخالفة. الثاني: طاعة الإمامة الحقة والقيادة المنصوبة من الله تعالى بالحجة الشرعية:ولنا بخصوص هذا الموضوع التوضيحات الآتية:1-إن الحاجة للقيادة لتحقيق منهج معين مما لا جدال فيه.2-البحث عن القيادة الحقة والحاجة لذلك وسلوك الطرق الصحيحة له مما لا جدال فيه أيضاً.3-كون هذا الأمر ليس هيناً أو سهلاً بل محل ابتلاء وامتحان من واضحات الدين والحركة الاجتماعية ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾(العنكبوت الآية:2) ، فلا معنى للطلب أن يكون الأمر واضحاً، ولا معنى للشكوى من تعدد القيادات وضلال الناس بسبب ذلك، ولا يمكن بحال تصور أن يتسلم الفرد معرفة القيادة الحقة بدون سعي واختبارات، فالأمر محل تنافس وتنازع واختبار.4-بعد تحديد القيادة الحقة المنصوبة من الله تعالى فطاعتها مكملة للكرامة ومخالفتها هدر للكرامة الإنسانية وتضييع لها، والنصوص الشرعية-ومنها ما ذكره صاحب الخطاب الفاطمي- كثيرة وواضحة.بقي أمر ينبغي الحديث عنه بهذه الخصوص-أي اكتمال الكرامة- وهو الذي تحدث عنه صاحب الخطاب في نهاية النص محل البحث هنا، ألا وهو ارتباط الاعتداء على كرامة الآخرين، وهذا الربط قلما يُشار له فـ"إن اعتداء الإنسان على كرامة أخيه الإنسان وسلبه حقوقه تبدأ من حين تخلي الإنسان عن كرامته الشخصية واتباعه لشهواته ورضاه بعبودية نفسه الأمّارة بالسوء أو طاعة غيره من العبيد، عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: (من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (أذلّ الناس من أهان الناس)"، وهذا الربط يفسر لنا الكثير من السلوكيات خاصة ممن يدعون الدين أو يتبنون صورة مشوهة منه أو يتبنون الإلحاد كمنهج، ولو رجعنا للإحصائيات عن حالات الاعتداء على الآخرين لوجدناها منطلقة من هذه النقطة في الغالب بل دائماً فما سلب أحد كرامة أحد أو عرضها للإهانة إلا أتباعاً لشهوة قادته لذلك قد تكون الشهوة واضحة وقد تكون مغلفة في نظر صاحبها أو نظر العين بأغلفة تغطيها ولكنها تبقى شهوة، أو طاعة لأتباع شهوة برغبة أو بتوهم إنهم قادة.