صراع مبكر على مناطق النفوذ لمرحلة ما بعد داعش في العراق

دحر ارهابي داعش من محافظات كركوك و ديالى و صلاح الدين والانبار ومناطق من محافظة نينوى واخيرا تحرير مدينة الفلوجة والقرى المحيطة بها التي تعد التخوم المهمة لأمن العاصمة بغداد وبدأ العد التنازلي لدحر وهزيمة داعش الارهابي والخلاص من جرثومة خبيثة قتلت وفتكت على مدى عامين بكل شعوب المنطقة ومعتنقي جميع الاديان والمذاهب في منطقة الشرق الاوسط وحتى في اوربا خاصة في سوريا والعراق من دون استثناء ، ستفرز واقعاً سياسياً وخارطةً جديدةً في المنطقة.
ففي سوريا اتفق النظام وقوى المعارضة السورية بمختلف توجهاتها على وقف لأطلاق النار بوساطة من الامم المتحدة وبضغط من القوى الكبرى وماتزال المفاوضات والحوارات مستمرة لأيجاد مخرج للازمة السورية.
وبموازاة المفاوضات يحاول كلا الطرفين استعادة السيطرة على بعض المناطق الحساسة والاستراتيجية وفعلا تمكنت قوات النظام السوري وبدعم روسي وايراني من احكام سيطرتها على تلك المناطق لتكون ورقة قوية بيدها في العملية التفاوضية مع المعارضة.
ومن جانب اخر فان الاستعدادت جارية على قدم وساق لتحرير مدينة الرقة المعقل الرئيس للتنظيم داعش الارهابي في سورية من قبل قوات المعارضة الديمقراطية والمقاتلين الكورد المدعومين من الولايات المتحدة فضلا على قوات امريكية ستشارك في المعركة لحسمها بسرعة، وان دل هذا التطور الميداني على شئ انما يدل على قرار واصرار الولايات المتحدة بالاتفاق مع روسيا وبعض دول الاتحاد الاوربي على حسم المعركة ضد داعش الارهابي عسكريا ، لاسيما اننا على اعتاب الانتخابات الرئاسية الامريكية قبل نهاية العام الجاري.
وفي العراق وبعد سيطرة قوات البيشمركة والقوات الامنية والجيش على مدن وقرى ومناطق ومساحات شاسعة وتحريرها من براثن داعش الارهابي وبعد ان اصبح زمام المبادرة والمناورة بيد تلك القوات واصبح الارهاب في زاوية ضيقة ويحاول ويسعى للدفاع عن بعض مناطق تواجده الاستراتيجية التي بدا انها تسقط الواحدة تلو الاخرى ، كل هذه الانكسارات للارهاب افرزت واقعاً ومتغيرات جديدة جرّت القوى السياسية العراقية الى صراعات فيما بينها تختلف عما سبق في الاعوام الماضية التي تلت سقوط الصنم.
بتصوري هذه الصراعات كان ينبغي لها ان تحدث بعد تحرير الموصل والرقة المعقلين الاساسيين للدواعش الارهابيين، لأن بعد هزيمة الارهاب على جبهات القتال الاساسية التي ستعود بلا شك الى تنفيذ العمليات الارهابية داخل المدن والمناطق العامة بالتحديد ، لابد من بروز صراعات سياسية قومية وطائفية جديدة وربما تصل الى صدامات مسلحة بين القوى المتعددة بسبب الخارطة الجديدة التي ستفرز واقعاً جديداً وستقسم العراق على ثلاثة كيانات مستقلة او دويلات ان صح التعبير التي بدأت ملامحها تظهر على ارض الواقع رويدا رويدا ، و ستسعى القوى السياسية المدعومة من اطراف اقليمية ودولية جاهدة للمسك بزمام الامور في تلك الكيانات الجديدة التي تعدها قاعدةً جماهيريةً لها.
اليوم القوى السياسية السنية منقسمة فيما بينها في المواقف والقرارات وكل بحسب مصلحته الحزبية ، منها من يؤيد حكومة العبادي والقوى التي تدور في فلكها ومنها من يقف في الصف الاخر ، والمكون الشيعي ايضا منقسم بين جبهتين وكل لها مواقفها ورؤياها للمستجدات وفقا لمصالحها وفي اقليم كوردستان ايضا هناك خلافات سياسية ستحل بطريقة واخرى ، لأن الوضع الكوردي والمرحلة الحساسة التي يعيشها الكورد يختلف تماماً مع المكونين الآخرين ، والمعطيات على الارض والمؤشرات الحقيقية تنبئ بتشكيل كيان كوردي في المنطقة بحسب التوازنات الجديدة والمتغيرات في الحدود الجغرافية التي حددتها معاهدة سايكس بيكو قبل مئة عام.
اذن قضية الصراع على مناطق النفوذ والمصالح قد بدأت وما المظاهرات والاحتجاجات الاخيرة ودخولهم الى باحة مجلس النواب ومن ثم الى مكتب رئاسة الوزراء الا عرضا للعضلات وموقف القوى الشيعية الاخرى خاصة حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاسلامي الاعلى وحزب الفضيلة من تحركات الطرف الاخر ، الا بداية لذلك الصراع على مستقبل الكيان الشيعي الذي سيتشكل فيما بعد.
اما القوى السياسية السنية التي تشظت بفعل تضارب وتقاطع المصالح وارتباطها باجندات المنطقة المتعددة وخلافاتها العشائرية هي ايضا في باكورة الصراع و منقسمة في علاقاتها ومواقفها مع التيارات الشيعية والكوردية وبرأي المراقبين السياسيين ستشتد تلك الصراعات الى صدامات مسلحة للسيطرة على زمام الامور في الكيان السني الذي سيتشكل بعد هزيمة داعش الارهابي.
اذن ان ما يدور الان في الساحة السياسية العراقية من صراعات بين مكونات نفسها وبين المكونات بشكل عام ماهو الا صراع مبكر لمرحلة ما بعد داعش الارهابي ولكن بعض القوى تسرعت في السعي لتقوية موقفها واخذ زمام المبادرة قبل المنازلات الكبرى التي ستشهدها الكيانات الجديدة فيما بينها وبين الكيانات الثلاث ما بعد داعش الارهابي للسيطرة على منابع الثروة ومصادر المياه والمناطق الاستراتيجية التي ستكون اوراقاً قوية لتثبيت الحدود.