تم تفصيلنا عدة مرات وبأشكال مختلفة حسب مزاج الحاكم ومقاس السلطان خلال مائة عام انقضت علينا وعلى أسلافنا منذ انتهاء عهد العثمانيين ومنذ تقسيم ممتلكات وتوابع الأمبراطورية العثمانية بموجب اتفاقية (( سايكس – بيكو )) ، التي أدت الى ترسيم حدود الدول القائمة منذ الأزل ، ونشوء دويلات حديثة العهد لأغراض وغايات سياسة استعمارية طويلة الأمد . فلم يعد القرار والتصرف يأتي منقولا الينا من الأستانة أو الباب العالي . . أصبحنا أقرب الى ادارة شؤوننا من ذي قبل كما تهيأ لنا . ومع ذلك لم نتمكن من ايجاد أنفسنا واثبات هويتنا وتحقيق نجاحنا أسوة بدول العالم التي تم فك أسرها من نير الأستعمار (( المباشر )) . منذ عهدذاك دخلنا في دوامات وحلقات مترابطة أحيانا ومفككة أحيانا ، واحدة أسوأ من الأخرى . مائة عام ، زحفت فيها الصحراء برملها وقحطها وكثبانها ، بسلوكها وصفاتها ، الى قرانا ومدننا بخيرها واستقرارها ومدنيتها وضوابطها ، فأختلط علينا الحابل بالنابل . انتقلنا من كوننا توابع لسلطة عثمانية وسلاطين عثمانيين مختلفي الأمزجة والعقول والأمراض النفسية الى توابع لسلطات جديدة كانت الشعوب تتأمل فيها الفرج والخلاص والتحرر ، لكنها هي الأخرى قادتنا وسيرت أمورنا بالأتجاه الذي يثبت سلطانها ويعلي راياتها . وعدنا مرة أخرى الى تفصيل الشعوب والأوطان على مزاج ومقاس السلطان وعدنا الى بعثرتنا بين خطوات السلاطين . . فمن ملك هاشمي يسعى الى ايجاد عرش لتعويض عرش ضائع الى زعيم قبيلة أو شيخ عشيرة بدوي يسعى لأيجاد مملكة يتوج نفسه عليها . ومن زعيم اسلامي وجهادي ، الى بطل وزعيم قومي ، ومن قائد ومفكر وزعيم يساري ، الى قائد ومفكر وزعيم ليبرالي . . من قطرية الى قومية ووحدوية ، الى اتحادية ، الى اشتراكية ، الى رأسمالية ، الى أحلاف ومشتركات عربية ، الى عضوية عصبة أمم ، الى عضويات مجلس أمن ومجالس تعاون ، الى اتحادات وأحلاف دفاع عربي مشترك ، الى وحدويات بين وبين . . الى . . الى . . الخ ، مما مر بنا خلال 100 سنة من أهازيج وتبرمات تلاشت كما الرغوة تتلاشى وتذوب . كلها كانت مجرد وسائل للتحنيط ، ولتفصيل الشعوب العربية على مقاس السلاطين الذين تتابعوا علينا طيلة 100 عام . وتم ذبح الشعوب لأجل هذه الأهداف ((العليا)) والقضايا (( المصيرية )) ! ! . التي ظهرت فيمابعد انها مجرد (( بالونات )) ملونة جذابة ، بلامحتوى ولاتمتلك الرؤية الحقيقية أو البرنامج والآليات المطلوبة لتحقيقها على أرض الواقع ، فتتوجت (( الأنجازات )) ! بضياع فلسطين ، ثم احتلال ماتبقى منها في عام 1967 ، وضاعت أراض عربية كثيرة في جولاتنا وثوراتنا وغزواتنا ، وتم انهاك المواطن واجهاده وافقاره ودفعه نحو التحلل والأنسلاخ عن وطنيته . ثم بدأ مسلسل التمزقات والأنحطاطات الذي ساهمت سلاطين التبعية للمستعمر بأنفاذه وتحقيقه ، وساهم كل دعاة الوطنية والقومية والأشتراكية والحرية واليسارية واليمينية والأسلامية بتنفيذه ، وكان لهم الدور الأبرز في سلسلة التمزقات العربية التي حصلت طيلة هذه الفترة . . تم ذبح الشعوب وسلخ جلدها وانتزاع كرامتها تحت هذه العناوين . تم تزييف تأريخنا بمايخدم هذه الغايات وحشو أذهاننا بالمفرقعات والحماسة التي لم تغنينا عن حاجة ، تم تنويمنا وتخديرنا ونحن في أوج حماسنا واندفاعنا ، لكننا في الحقيقة مخدرين يشل الأرتخاء والتحلل كل كوامننا . صرنا نجمل خيبتنا بما ننتقيه لأنفسنا مما نراه ملائما من تاريخ هذه المائة عام وبما يخدم هواجسنا المتلهفة الى انتصارات وأمجاد لن تتحقق . وفي خاتمة فشلنا علقنا كل الأسباب والمسببات وربطنا كل خيباتنا وكل تمزقاتنا وتناحراتنا وكل تخلفنا على (( شماعة )) المحتل الأجنبي الذي كنا الى وقت قريب نوميء له برؤوسنا ونعتبره (( المخلص )) لنا . غرقنا في تناحرات داخلية قطرية وعربية ، وأخذ الصراع بين المحدثين وغير المحدثين ، بين القوميين وغير القوميين ، الأسلاميين وغير الأسلاميين ، الأشتراكيين والرأسماليين ، الأسلاميين والقوميين . وفي كل حين ثمة طبل ومزمار . . انتكاسات وخسارات وخراب يتجدد و (( أورام )) تتخلف . أقحمنا في حروب ونزاعات عبثية وغير مجدية . . وصرنا الآن نجدد هذه الحروب ، نؤسسها ونعمقها وننقلها من الحدود والجبهات الى المدن والشوارع والأزقة وبين البيوت والعوائل تحت مسميات طائفية وعرقية ، واثارة النعرات الدفينة منذ سالف الأزمان والتي هي في حقيقة أمرها لاتعني شيئا للمواطن العادي البسيط الذي لايجديه نفعا وليس له مصلحة أو غاية تذكر من اللعب على هذه الأوتار أو التقافز فوقها ، لكنه دفع اليها دفعا حتى وأن بدت منه الحماسة التي تتجلى لديه بين الحين والآخر لأسباب شتى ، لن ينكر انه قد قيد اليها معصوب العينينين وتم سحبه من يده ودفعه من ظهره الى هذا المستنقع . بعد مائة عام من التحررات والتبعات المعلنة وغير المعلنة ، والنضالات والثورات والكفاحات التي تحمل أحيانا وجوه متلونة بين صدقها وبين توظيفها لغايات أخرى ، بعد هذا الزمن الطويل المعبأ بكل شيء ، ظهر لنا فشلنا جليا ،وتبينت وجوه الخيبة واللاجدوى فينا . أثبتت كل منظوماتنا الفكرية ومصادر ثقافتنا ووعينا التي تفتحت عيوننا عليها فشلها في مقاومة أو ، مجاراة ، أو ، فرض نفسها على صعيد الفعل والأنجاز وتحقيق مقومات النصر والنهوض والأمن والديمومة لنا ، والوقوف كمظلة سد وحصن منيع لكي لايتم تشويهنا وايقاعنا في براثن الأنحطاط والتردي . . فقد فشل القوميون في تحقيق برنامجهم لنا ، وفشل القطريين . . فشل الأسلاميون ، وفشل الليبراليون و العلمانيون واليساريون والشيوعيون ، في خلق وتحقيق مظلة وخيمة ووطن حين سعى الملوك والسلاطين نحو أمجادهم ، اذ قاموا بسوقنا الى تحقيق غاياتهم الملكية كما تساق النعاج أمام مالكها وراعيها . وقد أخذت غايات ومآرب السلاطين هذه وجوها متعددة ، تم توظيف عواطف الناس البسطاء ومشاعرهم الدينية ومعتقداتهم وسذاجتهم لغرض النيل منهم وتركيعهم لتحقيق مخططات بعيدة المدى تخدم الجهات الأجنبية التي توجت هذه العروش على أنقاض العثمانيين . تم ايجاد رجال دين وساسة لالغرض النهوض بالأمة كما يدعون وانما لتوفير الظروف الملائمة ((لتركيع )) الأمة ، وتم الدس في مقدسات ومعتقدات الشعوب ودياناتهم ، نثر بوادر وسموم التفرقة ، وتوظيف ايمانهم ومعتقداتهم لأجل قيام ونهوض عروش ومن ثم لأجل أغراض خفية – للتمكين من انشاء دولة (( اسرائيل )) التي (( انشأت تحت الوصاية الدولية بموجب اتفاقية سايكس – بيكو )) ، وبمباركة ودعم هذه الزعامات والعروش العربية . حتى اسلامنا وظفوه لأجل هذه الغاية ، والتاريخ لازال يذكر ضابط المخابرات البحرية البريطاني (( جون فيلبي )) الذي يعمل لحساب المكتب البريطاني في البصرة ثم الحجاز ، الذي ناصر آل سعود لقيام مملكة لهم في الجزيرة ، والذي ادعى بأعتناق الأسلام 1930 تحت أسم (( الحاج عبدالله )) وقد اعتلى منبر الجمعة في الحرم المكي لدعم آل سعود والأشادة بهم . تم جرنا منذ يومذاك بين خطوات وأقدام الملوك والسلاطين لأجل بناء عروشهم ، وليس ببعيد لقاء الشريف الهاشمي (( فيصل بن الحسين )) مع وايزمان ممثل البعثة الصهيونية الذي استعد لمناصرة الملك الهاشمي باقامة امارة له على شرق الأردن مقابل احتلال فلسطين . أو لقاءات الزعماء العرب (( القوميين )) اللاحقين ، السرية ، المباشرة وغير المباشرة مع زعماء الحركة الصهيونية . أو الزعماء الذين خرجتهم معاهد المخابرات الغربية وولتهم مقاليد الأمور في بعض البلاد العربية . أوزعماء وقادة الحركات الدينية والقادة المتدينين الذين ينطبق عليهم قول الحسين بن علي : (( والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معائشهم )) . وهانحن المبعثرين بين خطوات الملوك والسلاطين من كل اتجاهاتهم ومشاربهم ، تتقاذفنا اليوم عاصفة مشروع (( التحرير الأمريكي )) ومخلفات (( الربيع - الأمريكي - الصهيوني )) ، وتكشف عن فشلنا الذريع في اثبات هويتنا وشخصيتنا وفرض مشروعنا الوطني ، واننا لازلنا بعد مرور مائة عام على (( سايكس – بيكو )) يتم تفصيلنا حسب مزاج وعلى مقاس الحاكم ، واننا لازلنا مبعثرين بين أقدام و خطوات الملوك والسلاطين . |