كتابات من وحي الابادة رحلة اللاعودة |
عندما طرقت الانباء مسامعي بأن جبل سنجار محاصر من جهاته الاربع ويوجد العديد من المدنيين الايزيديين محاصرين فيه وهم يحتاجون الى كل شيء وان الطريق البري ايضا سيطر عليه عناصر تنظيم داعش وليس هناك سبيل للوصول اليهم سوى الاقلاع عبر مروحيات (هيليوكبتر) عراقية من مطار فيشخابور بالقرب من نهر دجلة في اقليم كوردستان . ولد لدي احساس الرغبة بالذهاب الى جبل سنجار عبر هذه المروحيات ولكون وظيفتي تتعلق بالجانب الصحي حضرت كمية من الادوية والعقاقير مع اصدقاء اخرين و قلت لنفسي لعلني استطيع ان اخدم هولاء الابرياء الذين لا ذنب لهم سوى انهم يختلفون عن الاخرين بعقيدتهم .
اربع محاولات قمت بها للذهاب الى الجبل الذي صمد كثيرا لكن دون جدوى لان الاجواء لم تكن مناسبة ، الرذاذ كانت تتتطاير من الغيوم ما ادت الى اعاقة حركة الطيران في ذلك الوقت .
حقيقة لم اكن اخشى ان افقد روحي في هذه الرحلة المرعبة ابدا ، لكنني كنت اتذكر ما قالته لي والدتي قبل ان اقرر الذهاب ” لا تذهب الى رحلة اللاعودة ، الناس تتوجه بالدعاء للباري لانهم فروا من ذلك الجحيم ، أما انت ترغب برمي نفسك في جحيم اللاعودة ” ، حينها حاولت ان اقنع والدتي ووالدي ايضا اللذين كانا ضد توجهي الى جبل سنجار .
فقلت لهما : الناس بحاجة لنا ويجب ان اذهب ، واخيرا كسبت ودهم بالذهاب.
في المحاولة الخامسة ركبت بالمروحية ودعوت من كل قلبي ان نصل الى هناك بدون ان نعود بسبب الاجواء او اي شيء أخر ، فارتفعت المروحية وتوجهت الى جبل سنجار حيث العز والشموخ .
حينها كنت اسعد شخص في العالم ولم اكن افكر بخطورة الرحلة .
ما ان حلقت المروحية فوق سماء بلدة “ربيعة” التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش ، تعرضت لاطلاقات نار من سلاح دوشكة واصبحت المروحية في حالة كر وفر لتجنب اصابتها الا ان ارتفعت كي لا تصلها الاطلاقات .
طاقم المروحية كانوا من بغداد ومناطق جنوب العراق وكذلك جنود من الفرقة الذهبية ، فهم ايضا خرجوا اسلحتهم نوع (BKC ) وتبادلوا اطلاق النار مع عناصر “داعش ” ، وفي رحلة جوية استغرقت 40 دقيقة وصلنا الى جبل سنجار .
بعد هبوط المروحية في منطقة سردشتي ( اعلى منطقة في جبل شنكال) توافد المئات من المدنيين الايزيدين الى مكان الهبوط واصبح هناك زحام كبير على باب المروحية كل شخص يحاول الصعود للمروحية وانقاذ روحه ما عدا الفدائيين الذين نذروا ارواحهم لمقاتلة العدو .
بعد نزولنا من المروحية رأيت ان صرخات الاطفال تتعالى نحو السماء وهم يموتون في اليوم الف مرة ، لا طعام ولا ماء تجده هناك اغلبهم كانوا مرتدين ثيابا ممزقة مضى على ارتدائه دهر طويل ، الدموع كانت تنهمر من عيون الامهات وتجري في الاودية العميقة في تلك البقاع المتصحرة في الجبل ، وهم ينادون ويناشدون ولا احد يستمع لهم ، اصوات الرصاص كانت تدق في اذني ، وعندما توجهت بالسؤال الى رجل مسن الذي لم يذق شيئا منذ ايام سوى طعم البارود ” ما هذه الاصوات ايها العم؟ ” فاجابني بالقول ” انها صوت الاشتباكات المسلحة بين المقاتلين الايزيديين وعناصر تنظيم داعش وان الجبل محاصر من جهاته الاربع ولا نعرف في اية لحظة يصلون الى قمة الجبل ويقتلوننا جميعا لاننا لا نتملك الاسلحة التي تمكننا في مواجهتم ” حينها تذكرت كلام والدتي وادركت انني أتيت الى رحلة اللاعودة رغم ذلك تمكنت برفقة الاصدقاء ان نقدم يد العون لاهلنا المحاصرين هناك .
|