ركيزة أساسية لرقي البلدان

 

الفرد هو الأساس في مكونات البلدان والمجتمعات لأنّهُ الوحيد القادر على بناء وعمران وتطور بلده الذي يعيش فيه ، ومن خلال الفرد الواعي تستطيع الأمم الإرتقاء إلى أبعد حدود الرقي والسمو في كافة مجالات الحياة ، ومن أهم مقومات الفرد هي توفر العدالة بين أفراد المجتمع وعدم تمييز فرد على فرد بسبب عرقي أو ديني أو طائفي أو سياسي أو قلة فئة تسكن في أي مجتمع ، فإذا ما شعرَ الفرد بهذه الفوارق وأحسَ بوجود العدالة وعدم التمييز ستراه حينها بارعاً في مجال عمله وتخصصه في كافة مجالات الحياة وقد يكون هذا أحد الأسباب القوية في تطور بعض البلدان الغربية التي وصلت إلى أوج عظمتها في التقدم والازدهار خلاف الأمم التي تأخرت بسبب التفرقة والتميز بين أفراد المجتمع لعدة أسباب ذكرناها سلفاً وســـنزيدها لاحقاً .

وإذا ما أردنا الغوص في عمقِ التاريخِ منذ خلق البشرية وجدنا كافة الأديان السماوية تؤكد الإنسان والإنسانية وتشدد على احترام المكون الأساسي لهذه الأرض وهو الإنسان ، فإذا غاب هذا الاحترام فسينعكس سلباً على تصرفاته وربما يصبح عضواً خطراً بين أفراد المجتمع ، ولا بأس بذكر بعض الأمثلة ومنها في في عراقنا الحبيب حيث يسكن فيه مختلفٌ الطوائف والأقليات كالصابئة والايزيدين وعديد القوميات كالعرب والأكراد وحتى اختلاف المعتقد الديني كالمسلمين والمسيحيين وحتى انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة ومذاهب متعددة ، وهذا الاختلاف يحتاج إلى وعي تام بين أفراد المجتمعات للتعايش السلمي فيما بينهم والذي يدرُ بمصلحةٍ عامةٍ تنفع الجميع ، ناهيك عن سياسات الحكومة التي يجب أن تكون عادلة تماماً في حقوق جميع من يسكن البلد بغض النظر عن الأغلبية التي تسكن البلد ،وليس سياسات الحكومة فحسب بل رجالات الدين لهم الدور الفاعل والكبير في عدم تفريق الأفراد من خلال حث روح التسامح والتآلف والتوادد بين أفراد المجتمع وزرع روح المحبة والتلاقح بين افراد المجتمع حتى في الرؤى والأفكار بكل الطرق التي تغرس بذرة الحب فيما بينهم ، وبما أن الفرد جزء من الدولة ومكوناتها لذا يجب أن يأخذ حقه بالصورة الكاملة حتى يشعر بتحقق العدالة وبالتالي سيكون مواطناً صالحاً يعمل من أجل وطنه ليس من أجل مصلحته الشخصية أو منفعة طائفته التي ينتمي إليها أو حتى معتقده الديني ، فالشعور بوطن واحد هو الدافع الرئيسي لأن يكون المواطن مثابراً عاملاً بجدٍ وتفانٍ ، لذا فالتعايش السلمي بين أفراد المجتمع هو أهم المقومات التي تؤدي إلى نجاح وتطور البلد وعدم التفرقة بين اللون والبشرة والعرق والجنس والطائفة والدين والمعتقد هي السبيل الوحيد للنهوض بكل بلدان العالم ولنا في ذلك أمثلة كثيرة في أرقى دول العالم ، والمؤسف جداً وللغاية أنّ هذه التفرقة غالباً ما نجدها في الدول العربية وبالخصوص التفرقة الطائفية التي أنهكت وأتعبت الكثير من الدول العربية وخاصة في العراق ولبنان والبحرين ودول أخرى مع العلم بأن هذه الدول تجمعها لغة واحدة وقومية واحدة والأكبر من ذلك يجمعها دستور موحد ألا وهو كتاب الله القرآن الكريم الذي حث على التساوي والعدالة والحقوق وعدم الأفضلية إلا بتقوى الله إذ قال عز من قائل(( بسم الله الرحمن الرحيم : يأيّها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ))

والآية تدل دلالة تامة بأنّه ليس هناك تفضيل لفردٍ على فرد إلا بالتقوى ، وما دام الناس يعيشون في رقعةٍ جغرافية موحدة لذا من المهم جدا عدم التفرقة وبث روح التعايش السلمي بين أفراد المنطقة الجغرافية التي تجمعهم التي تعتبر الرابط الأساسي الذي يربطهم ناهيك عن أقوى رابط وهو الوطن الذي يعيشون فيه ، إن روح المواطنة الحقيقية هي أقوى سلاحٍ يتسلح به الفرد فحب الأوطان يجعل من الفرد صالحاً لا يهمه سوى مصلحة وطنه وهذا بحد ذاته سلاحٌ ذو حدين للتعايش السلمي ونبذ جميع الفوارق بين أفراد المجتمع الواحد ، فالشعور بالمسؤولية اتجاه الوطن لا يمكن حصره بطائفة معينة أو أقلية أو أكثرية ما دام الهدف هو الوطن ، ولا بد من ذكر أن الوطن هو الرقعة الجغرافية التي يسكنها وينتمي إليها من يعيش عليها ومن خلال كلمة يعيش نستنج أن التعايش السلمي فيما بين أفراد المجتمعات هو الركيزة الأساسية للسلام الذي يعود بتطور البلد ويرقى به إلى أبلغ درجات السمو ، يبقى أن أذكر أن الدين ليس الرابط الوحيد فيما بين أفراد المجتمع فقد تتعدد الديانات وتختلف الطوائف بين أفراد المجتمع الواحد وهذا لا يعني حصر الوطن بدين أو أغلبية تسكن في أي بلد ولكن الرابط الأقوى هو الإنسانية والإنسان الذي يرقى بالأمم عاليا .

وبرأيي المتواضع أنّ التعصب الديني هو الأكثر خطورة على المجتمعات حتى تصل الخطورة الى الدماء كما يحصل حالياً في عراقنا فحينما يصل الفرد إلى القتل بحجة الدين والتعصب الفكري والطـــــائفية فــــهذا ذاته أخطر وأقبح ما يواجه الأمة من دمارٍ وتخريبٍ قد يطول اصلاحه وبصعوبة بالغةٍ ، لذا كما نوهت أن رجالات الدين يجب أن يكون لهم الأثرُ الواضحُ والكبيرُ في زرع روح المحبة بكل الوسائل والطرق والمبادرات التي تؤدي إلى وحدة المجتمع ليكون مجتمعاً لا تنبت فيه سوى روح التسامح والسلام .