الحروب الدائمة والسلم المستدام

 

 تحديث مفاهيم السلم المستدام وترسيخها في المجتمع يحتّم علينا القاء نظرة عميقة الى طبيعة البشر وآيدلوجيته وعلاقة الواقع بالأفكار وقدرتها على تغيير او تطوير الحقائق الاجتماعية المحيطة به، اذ ان فعالية تخطيط صورة ذات ابعاد متعددة للحالات الاجتماعية الموجودة والواقع المعاش المتعارف عليه وتحديد نوعية الصراع “مهما كان شكله” بين الثقافات أوالمكونات أو الأديان أو الأطياف يوضح لنا كيفية وشكل العلاقة التي أدت بنا الى هذه الفوضى المعبرة عن واقعنا الصعب وتفكيرنا المحدود ومدى حاجتنا الى أساليب جديدة معتمدة تساهم في انجاح عملية التحديث والتطوير الشامل لمفهوم السلام ومرادفاته، وهنا بالتأكيد لانستطيع انهاء حالة الاختلاف بين البشر لأنها حالة طبيعية أزلية مرتبطة بسر الحياة وديمومته، فالاختلاف الأيجابي حالة مطلوبة اذا ارتكزت هذه الحالة على معايير صحيحة لتكون عاملاً ايجابياً في تغيير وضع البشر وتطوير قدرات المجتمع نحو الأفضل أما أن كان الاختلاف سبباً في الخلاف السلبي الذي يؤخر عملية التطوير ويضع المعوقات في طريقه ويؤذي الآخرين ويساهم في اعادة المجتمعات الى العصور المتخلفة، فهذا الأمر عقيم وبحاجة الى مراجعة شاملة في ابجديات العلاقة بين البشر والواقع، وبنظرة بسيطة للتاريخ القديم والحديث يمكننا الجزم بأن سنوات السلام قد لاتكون طويلة فالحرب كانت جزءاً أساسياً من شكل الحياة في أغلب أصقاع الأرض، الحرب بين القبائل وبين المدن، بين البلدان ، حروب الثقافات الممتدة عبر قرون مازالت قائمة، حتى أن الحاجة الى خلق تحالفات بين أقطاب الصراع ترجمت الى اتفاقيات بين مجموعة من الدول في جانب ومجموعة أخرى على جانب آخر، كما في الحروب العالمية الأولى والثانية، بغض النظر عن طبيعة تلك التحالفات وطبيعة تلك الصراعات ومدى تأثيرها على تقدم أو تأخر الحضارات، كذلك الأمر بين المكونات والثقافات بحسب البيئة والمكان ونوعية العلاقة بينهم وماهية الصراع أو الخلاف ومدى عمقه، أن علينا عدم الخلط بين مفهوم الحرب ومفهوم السلام ولا يمكن لنا بأي حال من الأحوال ترتيب العلاقة بينهما على أساس ديمومة الحياة، فالحياة بحاجة الى تفاهمات بين الثقافات وجسور تواصل تؤدي الى بر السلام ولم تكن الحرب يوماً من الأيام عاملاً ايجابياً للبشر وللمجتمع وللتطور، وبدلاً من ازهاق الارواح في أتون الحروب، علينا ايجاد سبل واقعية لحلحة المشكلات والامور والقضايا التي تمس تفاصيل الحياة، هنا ينبغي علينا الرضوخ لمفهوم اعلان الحرب على الحرب في كل فعالية نؤديها، وعلينا ترسيخ مفهوم السلم المستدام على أسس معرفية وايجابية تساهم في تخليق حالات الحياة الطبيعية وتيسيرها، ولا بد للقوى الفاعلة على الأرض والمنظومات المعرفية والفكرية العالمية والمحلية العمل على هذا الأساس. وقد يقول قائل بأن السلام المستدام هو مشروع عبثي ولايمكن له أن يطبّق على أرض الواقع بسبب وجود صفة الشر والمصالح وحب السلطة وما الى ذلك من صفات ونوازع بشرية متجذرة في طبيعة البشر، وأن هناك قوى كبرى تعمل في الخفاء والعلن لخلق حالات الصراع وبالتالي ترويج فكرة الحرب لدى البشر، وبالتالي لا يمكن انضاج فكرة الابتعاد عن خلق الحروب وادامتها، لكننا نقول بأن نهايات الحروب التي دارت على مدار الحياة في هذا الكوكب كانت ولازالت تؤدي الى الخراب والموت وعدم الاستقرار الفكري والمجتمعي بغض النظر عن الطرف الفائز فيها، سواء كان المنتصر من القوى الخيرة أو القوى الشريرة، فالخراب يقع على طرفي النزاع، وهذا الأمر يشمل مختلف الحروب ومنذ الخلق الى الآن وفي مختلف ارجاء العالم، لذا يجب علينا أن نفكر بأساليب حديثة تساهم في القضاء على حالة الحروب أو التقليل منها ونشر ثقافة السلم ومدى فاعليته في تطوير المجتمعات.