لا نهضة بدون ثقافة

 

ما هي الفروق المميزة بين شعب وشعب في مضمار التقدم والرقي والاكتفاء الذاتي لتخطيط المستوى العام ؟ الجواب على ذلك لا يحتاج إلى عناء . فبصرف النظر عن سائر العوامل التي تتنازع حياة الناس في المجالين السياسي والاقتصادي فتدفعها إلى الإمام أو تجذبها إلى الخلف ، فان هناك قاسما مشتركا أعظم يوضح الجوهر البسيط الثمين لواقع تلك الفروق المميزة ، وهو مقدار ما يتمتع به شعب ما من ثقافة صحيحة في وجهيها العام والخاص . والتمييز بين شعب متعلم بصير ملكت ثقافته أدوات التفوق والغلبة وشعب جاهل ضرير لا حول له من ثقافة منظمة أو بصيرة نامية واعية هو السلاح الأول من أسلحة التطرف.. أيمكن أن يتمتع شعب ناقص الثقافة بما يتمتع به شعب كامل الثقافة، ثم ما الذي دفع الشعوب المغلوبة على أمرها وما يزال يدفعها، إلى الثورة في وجوه حكامها، من أين نبتت بذور تلك الثورة ؟ . أمن معين الجهل ؟ أمن مراس العماية والظلام ؟ كلا … أذن هنا تكمن القيمة الكبرى لتثقيف الشعب كي يبصر واقعه ، ويتمرد على كيانه ، وينسج تاريخه ، ويضمن الأمن والسلام والنمو لكافة طاقاته وسائر قدراته .أن إلف صيحة من صيحات الإصلاح تظل صدى ضائعاً ووهما خادعاً ما لم تهبط واحدة منها على نفوس فتحت المعرفة إبصارها ، وعقول أضاءت الثقافة بصائرها فتتلاقح بها وتتفاعل معها ، ثم تأتي أكلها ناضجا سائغا في رجع الصدى واستجابة النداء ، ونحن هنا في هذا الوطن العربي الكبير ، في أشد الحاجة إلى ألوان ممنهجة من التثقيف العام تختلف عن المناهج التعليمية في المدارس والجامعات ، ترسم طريقا قويما سليما لتثقيف شعبي عام. فإلام في البيت ، والتاجر في السوق ، والبائع في الحانوت ، والعامل في المعمل ، والفلاح في الحقل ، والمزارع في القرية … هؤلاء جميعا في حاجة إلى تثقيف عملي ممنهج يرفع مستواهم الفكري إلى مرتبة القدرة على تكوين مجتمع صالح ، لا سيما بعد إن أخذت الأمية تنكمش وطأتها في أوساطنا الشعبية بشكل ملموس بفضل الجامعات والمعاهد الحكومية والأهلية و التعليم عن بعد والثورة المعلوماتية عبر الانترنت ومواقعه الاجتماعية ، وكما قال – كونفوسيشيوس – ( إذا عرف الإنسان في الصباح طريق الحياة المستقيمة ، لا يندم ولا يأسف إذا مات في المساء ) .