تأملات فوق جسر الشهداء ببقايا وطن !

فوق جسر الشهداء  أحد أعرق الجسور  الـ 13 في بغداد ، المدينة الأسوأ في العالم من حيث جودة الحياة فيها، بحسب  موقع “بيزنس أنسايدر” من بين  33 مدينة تصدرت قائمتها مؤخرا ، ألقيت متاعي ووقفت لأضبط ساعتي اليدوية على ساعة القشلة التأريخية  فاذا بتوقيتها خاطيء  كالمعتاد،  تماما  كساعتي محطة بغداد العالمية للسكة الحديد التراثيتين  والتي لم تنجح عقارب الأولى منهما بمجاراة  الثانية يوما ما  ، علما ان  توقيت كلا الساعتين خاطيء،   صيفا وشتاء ، ربما لأن  لا قيمة تذكر للوقت في بقايا وطن كالعراق ، إذ ان شعار معظم مواطنيه البائسين  وانا واحد منهم  هو – الشهر اللي ما إلك بي خبزة لا تحسبه ولا تعد أيامه  - ، الشهر الذي يبدأ كالمعتاد  بدفع إيجار الدار المستأجرة  ليتبعه حساب المولدة الأهلية وأجرة الأنترنت وتسديد فاتورة الديون المتراكمة بذمة - الناخب -  لدى البقال والخباز وسجل " دكان"  المواد الغذائية والمنزلية  ،  يعقبها متابعة احصائية مكتب الأمم المتحدة في العراق " اليونامي " الدورية عن  أعداد  القتلى والجرحى للشهر الماضي  والتي كان آخرها مقتل  ما مجموعه 741 عراقياً وإصابة 1374 آخرين جراء أعمال العنف والنزاع المسلح خلال شهر نيسان  الماضي 2016. أمامي وعلى مرمى  البصر يطل   مجمع  مدينة الطب ،حيث  مئات المرضى المصابين بمختلف الآفات والأمراض الخبيثة منها والحميدة  

اضافة الى الجرحى الراقدين في طوابقه وردهاته  في ظروف صحية غاية في التعقيد  ببلد   يبلغ تعداد  فقرائه  22.5 % وفقا  لإحصائيات البنك الدولي عام 2014، خلفي وعلى مد  البصر أيضا وتحديدا عند جسري السنك والجمهورية الآف  المتظاهرين وهم  يصولون ويجولون ويضربون ويهانون ، يتقدمون  وينسحبون ، يعتصمون ويتراجعون  ، حيارى بكل ماتعني الكلمة من معنى  بلا قيادة حكيمة ولا رشيدة ولا ثابتة على مبادئها  ، قيادة  لا تعصف بها المتغيرات والأهواء و لا تكسر ارادتها التهديدات ، قيادة ليس لها من يمثلها داخل صفوف الفاسدين ممن تتظاهر ضدهم ، لأن تظاهرات شعبية بغياب قيادات حكيمة  كهذه انما هي هراء وعبث واستخفاف صارخ  بمطالب المسحوقين والمظلومين  والمتظاهرين الحقيقيين وليس المزيفين والطارئين والمندسين  المشروعة .عن  يميني كان صوت " راديو قيثارة "  يلعلع   من عربة خشبية متهالكة يبيع صاحبها " الداطلي "  فوق ارض من الذهب ،  لخصت نشراته  الإخبارية  حجم الفرقة والشحناء والبغضاء   والتشرذم الذي وصل اليه   العراقيون في ثوان معدودة،   نشرة اخبارية  تؤيد مشاركة الحشد الشعبي في معارك الفلوجة وبإصرار تمهيدا للمشاركة في معارك الموصل قريبا ، نشرة ثانية ترفض مشاركة الحشد فيها والاقتصار على الحشد العشائري من ابناء الأنبار فقط  والجيش ومكافحة الإرهاب والفرقة الذهبية وبإصرار ايضا ، محطات # الفلوجة _تموت _جوعا  ، محطات اخرى، "  اسحقوا الفلوجة وامسحوها من الخارطة البشرية "  ، محطات # انصروا _اهل  الفلوجة_ بالدعاء  ، محطات " أقصفوا الفلوجة بالصواريخ والراجمات من البر ومن النهر ومن السماء " محطات # الجيش يحرر _ الحشد يدمر ، محطات " التهجم على  الحشد الشعبي جريمة لا تغتفر " ، محطة كردية   "  الفرصة مؤاتية لإنفصال  الأكراد عن العراق " ، محطة تركمانية  ، "

لابد من تسليح التركمان وتشكيل فصائل مسلحة منهم لحماية مناطقهم من عبث العابثين " ، اذاعة  بصرية  " مخدر الكرستال او الشبو  يفتك بأبنائنا ولزاما علينا اعلان اقليم البصرة التي تركت في قلبي حسرة سريعا !!"، محطة ذي قارية " مسلسل الأنتحار من  كلا الجنسين متواصل وبنجاح ساحق وعدد ضحاياه بالعشرات  وماتزال  ذي قار تتصدر محافظات العراق للسنوات الست الأخيرة في معدلات الانتحار او القتل العمد الذي يدون على انه انتحار " ، ديالى " مسلسل الجثث مجهولة الهوية وحرق البساتين ومئات الدونمات الزراعية وتجريفها مستمر في مدن واقضية ونواحي  - محافظة البرتقال سابقا - و حتى إشعار آخر وتقييد جميع الحوادث المأساوية ضد مجهووووول !!"، محطة ميسانية "النزاعات العشائرية المسلحة مستمرة وبمختلف انواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ،  حول مصادر الري والثأر ونزاعات  الملكية على الأراضي الزراعية وغلاتها ".سألت نفسي لماذا يقتل العراقيون بعضهم بعضا ؟ ، لماذا يكره بعضهم بعضا ؟ لماذا يسرق بعضهم بعضا ؟ ، لماذا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي استخبارات ومخابرات وسفارات وقنصليات الدول العظمى ودول الجوار ؟ ، لماذا يهربون ثرواتهم ويبددون خيراتهم  آثارهم ويضيعون  مستقبلهم  ومستقبل أبنائهم ، لماذا ؟ فأتاني الجواب سريعا من قيثارة " ابو الداطلي "  بعد ان سئم مسلسل الخراب  العراقي الأطول من " باب الحارة "  وأداره على محطة غنائية لاعلافة لها بالواقع المعاش :  مليت انا مليت ، عذبني حالي ، حسبالي مثل الناس ،عايش عبالي! أودعناكم اغاتي