كنعان مكية و"جمهورية الفوضى" |
لست اضيف جديدا حين اقول إن كنعان مكية مثله مثل كتاب معارضين للنظام السابق شكلوا ظاهرة على صعيد لفت الانظار بصرف النظر ان كان ذلك يحسب لهم ام عليهم. فالى جانب الاستاذ حسن العلوي مؤلف "دولة المنظمة السرية" التي تداولناها في وقتها مستنسخة وسواها من عشرات المؤلفات التي كانت جزء من تراث المعارضة الفكري فان كتاب "جمهورية الخوف" للكاتب كنعان مكية شكل هو الاخر من بين الكتب التي اثارت اهتماما في مختلف الاوساط لاسيما تلك التي كانت تعمل على اسقاط النظام السابق بقطع النظر عن الوسيلة التي كانت تبررها من وجهة نظرهم كل الغايات. لكن الفارق بين العلوي ومكية يكمن في ان الاول كان معارضا للنظام لا للوطن. بينما بدا مكية معارضا ليس فقط لصدام حسين بل لابسط جندي احتياط مواليد 1955 كان ينتظر تسريحه من الخدمة العسكرية. العلوي كان معارضا بدون اجندات ماعدا علاقات عربية هنا وهناك سعى الى توظيفها بالضد من صديقه القديم صدام حسين. بينما مكية فان "سالفته سالفة" حيث كان يريد ويهدف ويعمل ويحرض كل الناس والدنيا والعالم بدء من اصدقائه "المحافظون الجدد" في البيت الابيض الى سلسلة المفكرين المؤثرين على صناع القرار في البيت الابيض من امثال برنارد لويس الى فؤاد عجمي. ولم يكن يهمه طبقا لطروحاته يومذاك ان تخطئ الصواريخ الاميركية التي كان شبهها بالموسيقى وهي تتساقط على بغداد اهدافها ام تسقط في أي مكان وتصيب أي هدف سواء كان منشاة المثنى او بقايا المفاعل النووي التي كانت تكفلت اسرائيل نيابة عنه بتدميره منذ عام 1981. ولكي لا اطيل "السالفة" انا الاخر فبعد سقوط النظام السابق بدا كل من العلوي ومكية فضلا عن كتاب اخرين كانوا هم ايضا معارضين لـ "العظم" مثل غالب الشابندر وسليم الحسني في حيرة من امرهم في كيفية التعامل مع الحقبة الجديدة. اهونهم كان الاستاذ حسن العلوي حيث كان اكثرهم انسجاما مع نفسه ومع تاريخه. فالرجل دخل العملية السياسية وفاز نائبا في البرلمان حاملا على اكتافه كتابا معارضا للنظام الجديد لايقل عن معارضته لنظام صدام حسين وهو "شيعة السلطة وشيعة العراق". لكن بينما راح الاستاذ الحسني "يفلس" تاريخ اصدقائه القدامى في حزب الدعوة الخفي منه والمعلن فان الاستاذ غالب الشابندر ذبحها على قبلة قبل ان يتحول الى محلل سياسي حين كتب سلسلة حلقات تحت عنوان "خسرت حياتي". وضع مكية بدا مختلفا ومثيرا للعجب والمزيد من الاستغراب. اختار لكتابه "الفتنة" الذي جعله رواية مرفقة ببحث تبريري وهو مايحصل للمرة الاولى في تاريخ الرواية وهنا اضم صوتي الى صوت الدكتور طه جزاع الذي كتب مقالا في "المشرق" طارحا نفس السؤال, فإن "الفتنة" سواء كانت رواية ام بحثا سياسيا فانها تلفت النظر بقوة لجهة الهدف الذي جعل مكية يكتبها من اجله. واذا كان لكل من اشرت اليهم من الاسماء (العلوي, الشابندر, الحسني) دافعه في الهجوم على الطبقة السياسية الجديدة في العراق بعد فشلها الكارثي في بناء الدولة فان مكية اختار زاوية لم يجرؤ احد على انتقاد الوضع الجديد من خلالها.فمن الواضح ان الرجل "ندمان" على ماحصل. بل بدا معجبا بصدام حسين بل انه يرى ان الكثير من طروحاته في حكم الشعب العراقي صحيحة. قد تكون هذه الجراة تحسب للرجل وهي ربما تكلفه الكثير لكنها بدت تصفية حسابات مع جهات واطراف اكثر من كونها اعتراف بالفشل وخطأ المسيرة السابقة. وهنا تكمن الاشكالية الكبرى لمكية الذي قد يكون بخلاف الاخرين اضاع المشيتين. فالرجل الذي لم ينسجم مع النظام الجديد منطلقا من رمزية بطليه في الرواية (صدام حسين الذي اعدم صبيحة العيد ومجيد الخوئي الذي قتل في اليوم الثاني للاحتلال الاميركي) بدا ضائعا في توصيف ماحصل وفي توجيه احداث الرواية. وبالتالي فانه فقد البوصلة مرتين .. مرة كسياسي ومرة كروائي. |