لم تكن الذكريات تفصلنا عن شيء .سوى دموع امهاتنا البعيدات ....! ولصباحك هذا محطة ذكرى إن وردتك تفتح الشهية للشمس لتقول لشجيرة البرتقال :مرحباً للحياة...! طويت الورقة لأؤجل حلم القصيدة الى وقت آخر عندما شدني في التلفاز أغنية لشاكيرا تقدمها بإغراء عجيب لجسد يتلوى كأفعى ماجنة وجميلة . ولكنها لاتشبه الأفعى المسماة ( افعى سيد دخيل ) التي تفترس الناس هناك في قريتي . تلك القرية المنحنية على سريالية غريبة من العزلة والصمت والفقر والتي يهندس الطين بيوتها وخواطرها ووسائد المضاجعة بين الازواج. ياالهي ...يشدنا التناقض في هذا العالم الى تخيل العالم بكفتين . واحدة يشرب عطشها سم الأفاعي .واخرى تشرب الموسيقى وعروض الازياء وناطحات السحاب واليخوت. فيكون علي أن أختصر نفسي كلها بحجم دمعة وأخيط من منفاي قميصا أرتديه في لحظة شعورنا أن الذي يحتاج دفء المكان البعيد عليه أن يخيط ثوبه بإبرته. كانت شاكيرا تتماوج بجسد صنعه قوس قزح .العالم مرح معها بسعادة فتنتها الشرقية الممزوجة بعطر غجري لاتيني .أتخيلها امرأة من كوكب آخر تمنحني هاجسا لتساؤل يعيدني الى ما كنا نبتهج في طفولتنا ومراهقتنا في بلاد كانت تعرف الحسين (ع) وجيفارا بذات الغرام والأيمان والمرجعية . كانت الثورات تقف في خط شروع واحد مع رسائل الغرام وكنا في دهشة اشتياقنا نعلم عرفاء فصائل جنديتنا مشفرات غرائبيتنا واغاني فيروز وسحر السمفونية المريخية الاتية من حنجرة السيدة ام كلثوم والمسماة :( أنا في انتظارك ) . غير إن أحدهم كان يمتنع عن تقبل طقس من هذا النوع ويصر على أن اغاني سلمان المنكوب واغنيته الاسطورية ( امرن بالمنازل ..منازلهم خليه ) تمثل له البهجة والوطن وتميمته أن يظل حيا ولا تخترق رأسه رصاصة برنو اتية من رجل بيشمركة يختفي في واحدة من شكفتات جبل هندرين. قال مرة وهو يسمعني منشدا لأغنية نجاة الصغيرة ( الطير المسافر ) : هذه صغيرة .ولكن سلمان المنكوب كبير .غيره لايستطيع العودة بي سالما الى قرية العواشق في ناحية ابي صيدا..! ابتسمت وقلت : وأنا احب سلمان ايضا لأنه يعيدني الى مدن القصب والطين وامرأة أعشقها .لكن الحضارة تمنحني رغبة التجديد في صوت هذه المرأة. قال : هذا كلام لا افهمه .أنا افهم سلمان وحنجرة سلمان والدمعة التي تنزلها اغنية سلمان من عيني.! قلت : تلك هي الحكمة القائمة على دهشة الفطرة.! هذا الحكمة لم تدم طويلا فلقد احسن رجل البيشمركة أختيار رأس الرجل وثقبه برصاصته .وبنعش من بلوط حملنا العريف وكما وطن غادر الى منحته الابدية مع الحروب شيعته دموع جنود الفصيل مع صوت سلمان المنكوب الذي يتدفق الان بحنين المنازل وذلك ( الزيج ) العريض الذي ستشقهُ ام اولاده حزنا عليه وهي تكرر ذات مناحة نساء مدينة العمارة القائلة : طركاعة الي لفت برزان بيس بأهل العمارة.! بين زمن سلمان المنكوب وزمن شاكيرا فواصل لعزف قدري لهذا الوطن ــ المكان ..! اتذكره الآن وأختبئ قي طيات اجفاني .أفسر سر الموت بعلنية الرصاصة .بهذه الويلات التي تخذلنا .بالسيارات المفخخة .والاجهزة الفالصو التي زعموا انها تكتشفها فظهر انها لاتكتشف سوى عبوات البهارات الهندية وقناني عطور الشانيل والكرستيان ديور واقلام احمر الشفاه. ابتسمت وأعدت لخفق قلب سلمان شوقه لزمن كانت فيه الاحلام تباع بالمجان للفقراء والميسورين على حد سواء. والان في زمن شاكيرا والاغنية الاسطورية ( بس بس ..بس بس ميو ) تباع بالمحاصصة والرياء والسُحت وتسجيل عقارات الناس بأسماء غيرها. الى أين تذهب بي ذكراك يا عريفي القديم ...؟ هي محنة أن تفكر بهكذا الم واشتهاء وتسعى لتصنع غراما حضاريا بين شاكيرا وسلمان..؟ غرام متبادل دون اتفاق وصناعة للاحتضان والقبلة . هي في وطنها كولمبيا تغني بمجون عاطفة الانثى الهائلة .وهو في قبره متوفيا بعد عصر من ربابة السحر واغاني المذياع واهداءات الجنود في اذاعة القوات المسلحة لينتهي في عزلة البيت والنسيان فلا تكرمه لا دولة ولاوزارة ليموت حتى دون ان تتحرك ريشة المروحة المنضدية التي امامه فالقطع المبرمج يوم مات سلمان المنكوب هو ساعة اشتغال وثمان ساعات توقف وحتما هو توفي في هذه الثمان . الآن في نهاية رواية حب في زمن الكوليرا لغابريل ماركيز عاشق شاكيرا الاول ثمة مشهد يؤسطر الغرام بين اثنين وفي زورق لا موانئ له سوى مطلق السفر ، بعيدا وبدون توقف. اتمنى أن اقربه لتلك المرثية البعيدة والقريبة لحال دمعتي المتحركة بين خصر شاكيرا واغماضة سلمان المنكوب الاخيرة .وبحصيلة الجمع والضرب والقسمة والطرح احاول أن اصنع غراما شهيا وسريا بين الاثنين . وبالكاد توصلت.......!
|