منتدى يقترب من الواقع

 

عقد مؤخرا ببيروت منتدى الاقتصاد العربي ورغم ان من قدم منهاجه للحضور لم يتردد في القول ان المنتدى (ينعقد في اجواء امنية وسياسية ملبدة وخطرة في المنطقة العربية) وهي القاعدة التي لم يشذ عنها هذا اللقاء الذي يتكرر سنوياً ومنذ 24 عاماً. وكانت اشارة مهمة ابعدت كل الاحاديث التي دارت وتناولت امور الاقتصاد والسياسة والمجتمع، عن تناول الحالة الجارية في البلاد العربية من الزوايا النظرية المجردة، لتنصب المباحث على اهمية الانصياع الى معطيات الواقع وافرازاته التي صار من الواضح والمعلوم انها جزء من موجة عالمية جديدة تستهدف الوجود العربي، لاحكام السيطرة عليه والحد من تطلعاته للمستقبل.

 

ولا شك في ان هذا التوجه بحاجة الى اعتماده في كل المناسبات التي تبحث في شؤون البلاد العربية عموماً، حيث الضرورة الماسة الى طريقة جديدة نتناول بها شؤوننا من مختلف النواحي ونتقدم بها للعالم على اننا امة استعادت الوعي وتعرف اليوم طريقها الى تحقيق اماني واحلام ومصير ابناءها.

 

ولقد كان الفكر العقلاني لصيق بالواقعية التي تأخذ في الحسبان دائماً الحقائق وتواجهها بشجاعة تستطيع معها ان تظل محافظة على كامل الوعي والتوازن.

 

وكم لاحظنا في مؤتمرات وندوات واجتماعات كثيرة محلية واقليمية ودولية اننا كنا ننحو الى تقديم طروحات تستند في مضامينها الى نظريات اقتصادية لا يتناسب بحثها والحديث فيها مع واقع نواجهه ويفرض شروطه علينا، والمفارقة هنا هو ان كل ما تقرر في تلك المناسبات لم يخرج بعيداً عن الورق الذي ادرجت المقررات عليه.

 

واليوم، واذا ما كنا جادين في محاولة معالجة احوالنا التي لا يمكن ان يوصف ما وصلت اليه من التردي الا اذا ادركنا اهمية الانصياع الى الاحكام والحقائق التي ربما نصل معها الى بداية الطريق الجديد الذي يؤمن الوصول الى الهدف الناجز.

 

فالبلاد التي تعاني من الخراب اليوم في المنطقة العربية تتزايد اعدادها، ولكن اهمها في المشرق هي العراق وسوريا واليمن تنادي من هناك. ولا يمكن الفصل في تأثيرات ما تعرضت له هذه البلدان عن بعضها، بل يجدر النظر الى احوالها من زاوية واحدة واقرار الارتباط فيما بينها.

 

اننا نواجه حالة تتطلب نهوض امة وليس اعمار اي من اقطارها، فهي جميعاً بحاجة الى اعادة الاعمار في البناء وفي العقول وفي المجتمعات.

 

ولعل من احد ان يفكر في مشاريع عربية مشتركة تستثمر فيها الاموال العربية المهاجرة وتستقطب اموالاً اخرى من برامج اممية مشابهة لتلك التي قدمت الى البلدان التي خربتها الحرب العالمية الثانية. ولكن لا احد سوف يفكر بالمشاريع او استثمار الاموال المهاجرة او تقديم الاموال الاممية اذا لم تكن لدينا القدرة على اقناع العالم بمصداقيتنا وحرصنا على مصالح اوطاننا وخلوص نوايانا في بناءها من جديد.

 

ومرة اخرى لعل النخب العربية – المركونة على جنب – ان تستثمر اوقات فراغها الواسعة لتقديم الافكار والدراسات والجدوى من مشاريع عربية مشتركة تحقق وتساعد في الخروج من هذه الكارثة التي سوف لن يتمكن اي قطر عربي الخروج منها لوحده الا بعد ان نثبت اننا امة نحتل موقع هو قلب العالم ويحيط بالبحر المتوسط وهو حوض الحضارات من شرقه وجنوبه، وهو عقدة الممرات التجارية التي تسيح وتتحرك من خلالها السلع والاموال بمختلف الاتجاهات، والعالم كله لن يستغني عنها.