قداسة الأمكنة بوصفها ذاكرة |
قبل ايام كنت اسير مع زوجي بأحد مدن البصرة، فجأة توقف زوجي للحظات وراح يحدق بأحدى الابنية المهجورة ، قال لي أتدرين ان هذه مدرستي في الابتدائية! لمحت بعينيه نظرات حزن عميقة وكأنه فقد شيئا ما ، صمت للحظات وقال بصوت خافت ( نحن اكثر شعب يحتقر الامكنة ) ظلت العبارة الاخيرة عالقة في ذهني ، وانا ادرك تماماً ماذا تعني لنا الاماكن. هي ليست جوامد وليست حجر صامتا ، ان الاماكن ذاكرة ، ولها قداسة وحضور في كل فرد ، وتمثلت العديد من المدن بأمكنتها ، بغض النظر عن جمالية تلك الامكنة تبقى لها قداستها في ذاكرة الانسان واعني هنا القداسة على مستوى العاطفة والحنين للذكريات الاولى ، في العراق لا اكتراث او اهتمام بالاماكن القديمة فهي اما تصبح مكب نفايات او تتحول الى مخازن للبضائع! او تبقى مهملة ، ندوسها باقدامنا ونبصق عليها يوميا ، ولو كانت في مدن اخرى ، مثلا مدن اوربية لأستغلت كمدن سياحية واثرية ، الا في العراق وفي البصرة بالتحديد فنحن نسحق تلك الامكنة ، بل ونحتقرها ونهزء بها لمصلحة العمارة الحديثة .خذوا مثلا نهر العشار الذي ذبح من الوريد الى الوريد ، كم كانت ذكرياته جميلة بالنسبة لمن عاش تلك الفترات في خمسينيات وستينينات البصرة ، او الشناشيل التي اهملت ، او شط العرب او نهران البصرة التي لو كانت في بلد اخر لاستغلت كمنتجعات ، كل الاماكن سحقتها العمارة العصرونية بفعل الموضة وموجة التجارة السريعة الأخاذة ، التي فتكت بالموروث والحضارة والتراث ، اننا كشعب نعاني من الحفاظ على ذاكرة الامكنة ونعاني من ترسيخ تلك الامكنة في ذاكرة الاجيال القادمة ، للاسف لدينا العشرات من الامكنة التي شكلت قداسة للفرد البصري ستزول في قادم السنين بفعل الاهمال والتعالي، والتي يحاول البعض تصويرها على انها شيئا قديما وبالٍ ولم يدرك هذا المقاول او التاجر او السياسي بأنها تشكل ذاكرة لآلاف الشخوص في بلدنا او من الذين غادروا البلد وكانوا يرتادونها، كتلك المدرسة الابتدائية التي تحـــــــولت الى ارض لمكب النفايات وارض خربة بينما هي خرجت الاف الطلبة الذين يتوزعون على انحاء العالم الان وبعضهم لازال يحن لكل لحظة قضاها بتلك المدرسة . |