امي انا في الطب العدلي |
تعبت من البحث منذ سنتين، لم تدع مكانا الا وبحثت فيه عن ابنها، في الفوج الاول لواء 53 الفرقة العاشرة، كانت تسأل الجنود العائدين من بيجي عن جنود الفلوجة المحاصرين، حتى ان اولادها الاخرين تعبوا، لا تستكين ليلة واحدة، كانت تبتكر وتؤلف ( النواعي) وتستيقظ صباحا لتهزج بها وسط عويل يدمي القلب، انها ام واحدة من 400 ام فجعت في حادث الصقلاوية وحصار الصقلاوية، وتسأل نفسها كثيرا: هل ان هذه المدن تساوي فعلا ارواح هؤلاء، ان روح ابنها عندها خير من كل العالم، ولاتظن ان مدينة تستحق دماء جبار، ترك ثلاثة اطفال وزوجة، تركهم حائرين، انهم ثلاثة اطفال، ايتمهم الوطن المخترق، الذي يضحي به من هب ودب ثم يطلب تحرير المدن المغتصبة التي اغتصبت بمساعدة واضحة من السياسيين، انها تبكي دائما، وتصرح بقوة : ( راحتلك فدوه الصقلاويه يايمه)، اين كانت لي الصقلاوية والفلوجة ونحن في السماوة بعيدون كل البعد، لو كنت ادري انه سيذهب الى هذه المدن ، لكنت منعته، لو عاد الى عربته يعمل في السوق وامام عيني كان افضل لي وله، ( يمه اوداعتك ما ادري شنهي الفلوجه، ولاسمعانه بالصقلاويه، لو ادري بيهن هيج، ماخليتك تروح).كانت تتبع الاخبار وعلمت ان 400 من الجنود قد دفنوا في مقبرة جماعية في الفلوجة، وافهمها شاب من المدينة، ان هؤلاء الجنود هم نفسهم الذين استغاثوا ولم يغثهم احد، وتركوا لمصيرهم محاصرون، ففكرت ان ترفع قضية على السياسيين وتتهمهم بقتل ابنها، ( مو حقي يمه لو لا، اي حجيه حقج، لوما جبنهم ، جان ابنج هسه يمج)، الامم المتحدة سجلت الحادث بانه حادث ارهابي، اميركا لم تعقب على الموضوع، السياسيون تركوا الامر وهم حائرون بمرتباتهم وبنهب المليارات، نامت ليلتها تلك، فكان جبار هو الحلم الوحيد الذي يداعب اجفانها، تناهى الى سمعها صوت آتٍ من بعيد: ( يمه آنه اببغداد، بالطب العدلي)، استيقظت مرعوبة وهي تردد بالطب العدلي اببغداد، لم تكد تصلي الفجر، حتى خرجت الى الكراج، ومن هناك يممت نحو بغداد، في الطريق كانت تردد، بغداد هي الاخذت جبار، آنه اليوم رايحه لبغداد، هبطت في الكراج في بغداد، وسألت احد سواق السيارات، يمه اريد اروح للطب العدلي، دخلت الى بناية كبيرة، رأت مدينة مزدحمة لم تعتد على رؤية مثلها، ( ماعدنه غادي بالسماوه مثل هذا الازدحام، ناس ماتعرف ناس، ياهو اللي يدليني، ياهو الياخذ جبار وياي مناه للسماوه)، كانت تعلم انها ستجده، او ربما كان بانتظارها، دخلت وبعد صعوبة بالغة، استطاعت ان تتخطى الجثث، سألها الممرض: ( شدورين حجيه، فردت ادور على ابني، حجيه اكو فحوصات وتحاليل سنقوم بها وبعدين تعرفين ابنج، فردت لا وليدي، هوه صاحلي، وكاللي تعاي للطب العدلي، بس خليني امر من يمه، لحظات واذا بالمرأة تصرخ عاليا: يايمّه اجيتك، واعتنقت احدى الجثث بحرارة وراحت تبكي بكاء مرا، وقف بقربها الممرض، حجيه شنو القضية، فردت: لقد ناداني بالحرف الواحد: وقال يمّه آنه جبار.
|