يوما بعد يوم وصورة مستقبل الشعب والمجتمع العراقي تزداد قتامة وسوداوية في نظري الشخصي وكما يبدو لي ان لا أحد يهتم لذلك بسب فقدانهم للحس الوطني الذي عشناه أيام زمان ..فلا الحكومة ولا الأحزاب الدينية ولا المؤسسات والمنظمات الإنسانية الاجتماعية والقانونية تلتفت لواقعنا المؤلم وحتى لايهتمون بهيئات الأمم المتحدة عندما تحذر وتنبه لواقع الطفولة في العراق ...كان الامر لايعنيهم و لا احد يستجيب للنداءات الإنسانية التي تتعالى هنا وهناك .. وللأسف يلاحظ حتى المؤسسات الدينية كلها وبلا استثناء ولكل الأديان والطوائف والملل والنحل تخلت عن دورها التربوي الحقيقي في بناء الانسان الانسان وتحولت الى مؤسسات دعوية ظاهرها ديني وباطنها سياسي وفي خدمة اهداف دنيوية سلطوية سياسية تافهة لا علاقة لها بالجوهر التربوي للإنسان الصالح ... وهذا الشعور الذي يراودني بالقلق نابع من المقارنة بين واقعين يفصل بينهما ما يقارب 80 سنة ...فكيف كان يعيش الطفل آنذاك وكيف يعيش اليوم ..فلا المجتمع نفس المجتمع ...ولا التماسك العائلي نفس التماسك ...ولا الامومة المعطاء والحريصة على ابناءها هي نفس الامومة هذه الأيام ... ايام زمان وبكل بساطة كانت الحياة تعتمد على القيم والأخلاق النبيلة المتوارثة في العائلة جيلا بعد جيل ...والناس كانت تعيش بقيم روحية إنسانية سامية لا قيم مادية انية تافهة ووسخة ...كانت العائلة العراقية تعيش ببساطة وهدوء وتشعر بالأمان والرضا لماكتب لها الله وبقناعة بقدرها...بينما حياة اليوم يسودها العنف الحاقد والضوضاء والفوضى والصخب والجنس وامتصاص الدماء واكل لحوم البشر ...بالرغم من التقدم العلمي الحضاري والثقافي ...والذي نشاهده على شاشات التلفزيون .. اليوم نجد الكثير من التسميات تطلق على توصيف المجتمعات ..كمجتمع ذكوري او مجتمع حضاري او مجتمع متخلف او مجتمع متدين وتعتمد تسمية المجتمعات على الصفة الغالبة لكل مجتمع ..اما ما ساطلقه على مجتمعنا العراقي فهو مجتمع طفولي لان الغالبية العظمى من مكوناته هم من الأطفال ...حيث ان نسبة الأطفال فيه تعادل اكثر من النصف مقارنة بالبالغين ..ولاثبات هذه الحقيقة المؤلمة لاتحتاج الى احصائيات ودراسات علمية بقدر ماتحتاج الى نظرة واقعية الى واقع الاسرة العراقية .. أي مجتمع يتكون من عوائل والعائلة تتكون من ام واب وأطفال وبما ان كثرة الأطفال في المفهوم السائد عند الابوين هو الشائع ..انطلاقا من مفاهيم اجتماعية اكل الدهر عليها وشرب ...مثل ( الأطفال عزوة للام والأب ) و ( الطفل يجي ورزقه وياه ) و والبعض من المسلمين يردد حديث منسوب لرسول الرحمة يقول ( تكاثروا فانني غدا اباهي بكم الأمم ) و ( الأطفال بالبيت زينة ) ومن هذه الاقوال الكثير ...ولكن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي اليوم يؤكد عكس ذلك ...فما كان صحيحا بالأمس ليس بالضرورة هو صحيح اليوم ..العيشة أصبحت هي من تفرض نفسها وليست الكثرة ...فما فائدة ان انجب عشرة او عشرين طفلا وارميهم بالشارع والمزايل كما نراه يوميا ؟؟؟ رحم الله الشاعرالضرير الذي قال ( هذا ما جناه علي ابي وما جنيته على احد ) عندما رفض ان ينجب أطفال كما كان شائعا وسائدا ومحبذا في زمانه آنذاك ...وليس في زماننا الاغبر هذا .. وقفة سريعة يجب ان ينتبه لها المواطن العراقي ولاسيما المثقفين والشباب منهم ممن يريد تكوين اسرة جديدة ...اقول لهم ..الزمن قد تغير ...الاخلاق والقيم الاجتماعية قد تغيرت ...الواقع الاقتصادي مزري ..الواقع التعليمي مخجل ...الواقع الصحي محزن ...حتى الامراض تنوعت وكثرت ...الاطفال تمرض ولايفيد بها العلاج وعندها الطبيب يعزيها لحساسية لا احد يعرف أسبابها .. او بسبب الحروب والفتن المتواصلة منذ نصف قرن ..القتل والخطف والاخفاء القسري للأبرياء وحتى على الهوية اصبح مشرعنا ...تجارة الأعضاء البشرية ولاسيما للأطفال أصبحت تجارة رائدة ..الشذوذ الجنسي والمثلية أصبحت ظاهرة شرعية ...الفساد الأخلاقي وتجارة الجنس والبغاء اصبح مهنة شائعة للمعيشة ... تشريد الملايين وغالبيتهم من الأطفال من بيوتهم وديارهم اصبح من المناظر المألوفة بوجوههم التعبانة وثيابهم الرثة والتي نراها يوميا ...غرق الاف الأطفال في البحر بسبب الهجرة والهروب نحو الغرب ...اصبح واقعا اعتياديا ولا يحرك ضمائر الناس .. كل هذه الماسي الإنسانية ...تؤكد ان الضمير الإنساني قد مات او خدر بكل أنواع المخدرات القاتلة والتي لم يكن مجتمعنا العراقي يعرفها او حتى لم يسمع بها كالحبوب المخدرة والتي يقال انها تباع حتى على تلاميذ المدارس ويقال ان البعض من كبار الساسة يروج لها ...والادهى من كل ذلك ...هو غياب القانون الرادع ...والقاضي النزيه والعادل والإرادة في الإصلاح ... واليوم اعيد دق جرس الإنذار ...الطفولة في العراق مهددة ...والمجتمع العراقي يهرول نحوا الهاوية ..واقول لساسة وقادة المجتمع ورجال الدين وشيوخ العشائر ..ان شعارات الإصلاح والتغيير والتكنو قراط والجدل السفسطائي حول قضايا تاريخية دينية طائفية فتنويه لاتسمن ولا تغني عن جوع ...فالطفل الذي يفتش عن لقمة عيشه بين الازبال ...لا يهمه ان صلى ابوه وامه ( مجتف او مسبل ايده ) او ان قصر الدشداشة او اطالها ..او ان اطال اللحية او قصرها .. او ان العيد يبدأ يوم السبت او الاحد ...والغريب ان كل هذه الأمور البسيطة نجد ان بعض العراقيين مستعد للموت من اجلها او قتل من لا يتبعها ...,وهذه السجالات والنزاعات التي تحدث اليوم على ارض العراق لن تعلم الطفل حرفا او تنقذ حياة طفل مصاب بالسرطان بسبب اليورانيوم المنضب ...او تركبه سيارة دفع رباعي مدرعة بدلا من ان يمشي حافيا ... هذا الواقع الذي عشناه طيلة سنوات افرز ملايين الايتام وملايين الارامل فالكثير منهن أمهات فقدن حنان الامومة المقدسة فركضت لترمي نفسها في أحضان رجل ليشبع نهمها الجنسي وتركت اطفالها بلا حنان وكثير من الأمهات عجزن عن اعالة اطفالهن فأرسلتهم للعمل رغم صغرهم او للاستجداء في الشوارع او بيعهم ...والامثلة المأساوية كثير ولاتعد ولاتحصى .... اطفال العراق حالة إنسانية خاصة وهم بحاجة ماسة الى قوانين حماية لحقوق الطفل العراقي خاصة ...لان كارثة أطفال العراق يا ناس أيضا غير عادية ويحتاجون الى رعاية خاصة ..ان نريد بناء مجتمع صالح وغير معقد او متطرف ..وبعيد عن أفكار العنف القاتل .. أطفالنا العراقيين مستقبلهم مظلم فانيروه يا ناس ..واسود فبيضوه ...رحمكم الله اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا
|