ما الذي يجمع وحيدة خليل بشكسبير

 شكسبير صنع معجزة هاملت .ووحيدة خليل صنعت معجزة الغناء الريفي ) العراق الذي صنعته الدموع قبل السيوف ، والقيثارات قبل الأمنيات ، والجراح قبل النواح ، العراق الذي لم يزل والى الأزل سره في بحة صوته ، وحلمه في غموض ليله  ، بلد صنعته الأساطير لسبب واحد أن واقعه اكثر غموضا كواليسه ،فكان على مبدعيه ومفجعيه وكهنته وعمال أطيانه أن يؤسسوه من خلال الأساطير ، أبقى له ليكون وطنا يميزه خلود أغانيه ودموع فقراءه واثواب أمهاته المنشقة من الوسط حزنا على كوارث أحلامه التي خير شاهدا لها تلك النعاوي الملونة ببحتها الشهية والسريالية من احتراق اور وتحول بابل إلى خرائب ونينوى إلى أطلال وحتى غناء الدبابات وأسلاك الكهرباء العاطلة ونفق اسماك الفرات ودجلة بسبب الملح والحر والصيد بالرمانات اليدوية.
وحيدة خليل ( رحمها الله ) مواليد 1914 .ايتدات ملاية في نواح عاشوراء ، وانتهت صاحبة شجن سمفوني يرق له أي جنوب وليد سعف  النخيل ونعاس بوابات المعابد وشهوة القصب الممتد في فضاء الزمن مثل قضبان ذكورة الجنود الذين تطول حروبهم الخالدة شهورا في ساحات الوغى بعيدا عن العشيقات ومرابع الصبا وبيادر القمح .
هذا الصوت أوغل في الضمير الوطني والعاطفي والتاريخي لدى العراقيين كما أوغل شكسبير بمسرح وسنونتاته في ذاكرة الإنكليز ، فالشاعر الإنكليزي اطرب الذاكرة الثقافية بحس روحي لوجدان قلق يبحث عن الخلاص في رؤى شتى من عطيل وهاملت وحتى مكابدات الملك لير ، ووحيدة خليل أطربت الذاكرة العراقية بشجن الروح عندما تتمنى من الأغنية أن تكون المخلص المثالي من عابات الفقر ولوعة العشق ومحاولة البعض من جعل الصوت حديقة للذكريات ،لهذا يكون الجمع بينهما والمديح لهما في مرآة واحدة حق وليس فيه نشاز ولهذا عندما كتب المقطع أدناه على صفحتي الأدبية في الفيس بوك : ( عمودي اليومي في الزمان اللندنية عنوانه مديح إلى شكسبير ..مديح إلى وحيدة خليل ، فالجمع بين شاعر إنكليزي ومطربة ريفية عراقية صعب ،لكن في موازين الحلم والفقه الذي امتلكه صوت وحيدة خليل عندما تغني :مالي صحت يُمَ أحا ..جاوين أهلنه ...! يساوي عندي معضلة هاملت ألف مرة ).
جاءتني عدة رسائل بين مستغرب من هذه المقارنة التي يعتقدها ظالمة في حق شاعر ومسرحي وأديب أممي وبين مطربة شهرتها لقد لا تتعدى مساحة بلادها وهي ولم تدخل يوما في مدرسة وبالكاد عرفت التوقيع وكتابة اسمها ، ورسائل أخرى تقول أنني أصبت في المقارنة ،فالمديح يتساوى بنفس مثاقيل الذهب بين شكسبير وبين وحيدة خليل ، وحتما من أصاب المقال في سهم شوق ورضا هم من العراقيين ،والذين استغربوا هم قراء ليسو عراقيين ،هذا يعني إن وحيدة خليل بالنسبة لمريدها من أبناء وطنها مثلت لهم الصفاء الراقي والإبداع الذي  يمنحهم رؤية التحليق والنشوة اكثر مما تفعله مسرحيات وسوناتات شكسبير ،فكان المديح لها مؤثرا في القلب ويمتلك هيبة الاستحقاق عندما يكون جنبا إلى جنب مع المديح لشكسبير .
هذه الأسطورة التي صنعت رائية المكان وسحره من خلال حنجرتها تستحق المديح عندما ظلت ولأجيال تصنع بهجتها بموهبتها الفطرية الرائعة ، ولتمنح ذاكرة المكان وثقافته طعمه المميز وتصبح المحفز القوي للكثير من الإبداعات في شتى المذاهب ( الغناء ،الشعر ،القصة ،الرسم )..
وحيدة خليل ذهبت وبفي صوتها ، شكسبير ذهب وبقي تراثه الأدبي ، هو بالنسبة للإنكليز رائية الإلهام والفخر
،وحتما وحيدة خليل بالنسبة لنا نحن أبناء الدمعة والحروب والأمل رائية للإلهام والفخر والإعجاب