الكراهية كالسم

 

 هل يمكن ان يفرق الانسان بين الكراهية وبين سم الفئران او الجرذان..؟ وبعبارة ثانية هل يفتقد الانسان القدرة على التمييز بين حالة التسمم,وحالة الكره التي تسيطر عليه..؟

ان الزرنيخ الذي قتل نابليون في جزيرة “سانت هيلانه” والذي يقتل جرذا في مجرى للمياه الثقيلة هو نفسه سم الكراهية الذي يجعل العقل يتشنج ويتقلص كما يحدث مع ضحية الزرنيخ.الكراهية سم فعال.الكراهية زرنيخ يصيب العقل بالشلل التام.. لكن لماذا بدأت مقالي بهذه النبرة الشرسة..؟بدأته بها لاني صرت اشعر بان الحياة مسممة,وانها مختنقة بالحقد وكره الاخرين واحتقارهم..الحقد الذي يحاصرنا ساخنا كدخان قطار عتيق.. تفوح الكراهية من لغة السياسيين,وتتحايل علينا لتجعلنا نصدقها.ان رسائل السياسة في هذه الايام لا تحمل اي مضمون (راقي) للاجيال التالية.واحيانا افكر بما سيقوله جيل سياتي بعد خمسين عاما عن هذه السياسة التي خنقت التفاؤل في اعماقنا..؟واذا كنا نتحدث وننقل عن نوري السعيد بعض الحكايات اللطيفة,واذا كنا نروي عن الملك فيصل الاول قصصا تدل على بساطته,فما الذي ستفخر به الاجيال القادمة,وهي تشاهد تفاصيل ما يقع هذه الايام.. بلا شك سيحصل شاب مثقف سيولد في العام 2088 على رصيد متراكم من فوضى صنعتها كراهية لها طاقة السم,ونتائجه المضمونة..   سيفكر ذلك الشاب الباحث الحالم الذي سيولد كما قلت في العام 2088  بنا ويترحم علينا.وسيشعر اننا تعرضنا لعملية نصب سياسية.هو لن يحتار كثيرا في البحث عن الوثائق,والتدقيق فيها.سيكون كل شيء جاهزا ومصورا في افلام ولقاءات وحوارات تقطر منها فضائح لا تصدق.

لن يجد احد من الاجيال القادمة مشهدا فيه وفاء كصورة الملك فيصل وهو يمسح بنفسه طاولة مكتبه الذي كان عبارة عن غرفة صغيرة متواضعة.يروي الجواهري هذا,ومع ذلك لم يسلم الملك فيصل الاول من هجاء الرصافي القاسي له.

لن يعثر احد على ذخيرة جيدة من قصص الايثار او انصاف الاخرين.شيء واحد سيصل الى الاجيال الساكنة في ازمنة الغيب ..سيصل الكره طازجا,محملا بعطر الديمقراطية الناعمة.

التسمم العقلي حالة مرضية دائمة لا يعرف الشخص انه مصاب بها.

اذا احب الانسان قوميته او طائفته او مذهبه اكثر من العراق فهذا يعني وجود حالة تسمم واضحة وتتطلب علاجا. اذا فضل المسؤول شخصا من الاشخاص بسبب الانتماء القومي او الطائفي فهذا يعني ايضا وجود حالة تسمم. اذا تعاطفنا مع المرتشي القريب,وانتقدنا المرتشي البعيد فنحن امام حالة حرجة كذلك..

التسمم  حالة سياسية واقعية تحدث في كل ثانية.وحين يريد الشخص ان يوهمنا انه صحيح وسليم العقل فانه لا ينجح لان لغته,وملامحه وطريقة تفكيره تقول لنا انه يعاني من تشنج عقلي وعصبي لا تختلف عن تشنجات نابليون وهو منفي في جزيرته بعد تسممه.

ومن المؤسف ان المستشفيات لا تشخص هذه الحالة المرضية.