الفرهود و اليهود عام 1940 |
كانت لليهود في العراق مكانه مرموقه و محترمه في الدوله قبل تاسيس الحكم الملكي في العراق وبعده، وعند العراقيين، لما لهم من خبره واسعه و معرفه نادره و متميزه في الاعمال التجاريه على الآخرين من التجار،حيث ان البنوك الاجنبيه والاهليه قبل تاسيس ( مصرف الرافدين) الحكومي عام1941 كانت تدار من قبل التجار المساهمين و الموظفين اليهود، كذلك الصيرفه و الاستيراد و تصدير المنتوجات، الحبوب و التمور والجلود، اما الذهب و صناعته فكانت تهيمن عليه مجموعه من العوائل اليهوديه ( بيت شعو، و بيت شاؤول ) و بعض الصاغه الصناعيين الفنانيين من الصابئه المندائيين منهم عبد الرزاق سيف الصابري، و عيدان عبيد الاهوازي، و النقاش عبد السادة عوفي الخميسي، و خيري عبود لفته، و غيرهم، و كان تجمع الصاغه حينذاك في (خان جغان) مجاور سوق الروافين و بائعي الساعات و سوق العطور، وكان الصائغ حينذاك يستقبل زبائنه في الطابق الارضي المفروش جيدا خصيصا للنساء من الجلوس و انتقاء الحلى الذهبيه المناسبه، و الاتفاق على سعر المثقال و نوعيه عيار الذهب ، فقد كان سعر مثقال الذهب (عيار 22 يساوى دينار و نصف، وعيار 21 يساوي دينار وربع) و كان لكل عائله صائغ خاص بها تثق به و تتعامل معه و لكل صائغ سجل للعائله يتوارثها الابناء ليعرفوا ما صاغ آبائهم في تلك الحقبه من الزمن، و لما اراد (مناحيم دانيال) هدم خانه، خان جغان، و بنائه و تقسيمه دكاكين لبيع الاقمشه و العطور، بادر التاجرالمعروف (محمود الشابندر) بتقسيم خانه الكبير الى دكاكين و الى ثلاثه فروع، حيث يقع في دربونه ( الدنكجيه) و ينتهي في سوق السراي،، المكتبات،، مع ثلاثه ابواب مرتفعه من الحديد و حارس ليلي و شرطي يحرسه في النهار، كذلك كانت معظم محلات التسوق بالجمله في الشورجه، أصحابها من التجار اليهود اللذين يتحكمون بالاسعار، وكانت حاجه المواطن العراقي الفقير من السكر و الشاي و الصابون والقماش الاسمر ( للدشاديش، خام الشام) كما كان يسمى حينذاك ، حاجه حياتيه، لا يمكن الاستغناء عنها، ان ظروف الحرب و التداعيات و الاحباط التي احاطت بالبلد بدخول الجيش البريطاني العراق و احتلال بغداد و هزيمه الكيلاني و العقداء الاربعه و عودة الوصي عبد الاله الى بغداد بعد هزيمته، قد انعكست على مزاج الشعب العراق و صعدت الحراك السياسي لدى الناس بالمطالبه بتوفير مستلزمات الحياة المعيشيه و خاصه المواد الغذائيه، لذلك عمدت وزارة التموين على ترشيد المواد الغذائيه ببطاقه يتسوق بها رب العائله ،و خلال الحرب العالميه الثانيه عام 1939—1945 التي دارت بين الحلفاء و دول المحور، و التي انتهت عندما دخل الجيش ( الاحمر) الروسي برلين، و اندحار الفاشيه، و انتحار هتلر، وفي خضم الغليان السياسي و احتلال الجيش البريطاني العراق، و شحه المواد المواد الغذائيه، فأن المواطن العراقي الفقير المسكين ، لايستطيع شراء السكر والشاي من السوق لأرتفاع اسعارهما ، مما حدى بالمطرب المعروف (حضيري ابو عزيز) ان يستعطف بأغنيته ذات الطرفه التي أنتشرت في وقتها من المختار ان يوقع على العريضه ، يترجاه منادياً ( عمي ياهل المختار د مضي العريضه ،،،،، و السمره على الجاي طاحت مريضه) اما في مجال الغناء و الطرب فقد شغل اليهود مساحه غنائيه واسعه، و اشتهر منهم ( صالح الكويتي) ملحن اغناني سليمه مراد، و(داود الكويتي ) عازف الكمان الشهير، وقارىء المقام المشهور(فلفل كرجي) ولد في سوق حنون شارع غازي عام1935و تتلمذ على يد المطرب العراقي الملم بالمقام ( حسن خيوكه) وعندما حدث فرهود اليهود عام 1941، هرب فلفل كرجي الى ايرانن وفي عام 1950 سافر الى اسرائيل، و كانت اغانيه العراقيه تذاع عبر اذاعه صوت اسرائيل، توفى في اسرائيل سنه 1983و في داخله حسرة و حنيين الى وطنه الام العراق، والى شاطىء( الكاوريه) في الكرادة صيفا للاستمتاع ببرودة الشاطىء و شرب العرق المستكي أبو(16حقه) و اكل السمك المسقوف و بستته الشهيرة( يعجبني أروح وياك للكاوريه) ،ومن المغنيين اليهود المعروفين( يوسف حويرش) و فرقته المتنقله بين مقهى الشط و مقهى الشابندر في شارع المتنبى، ومن النساء المغنيات اللاتي يحضرن حفلات الاعراس عند اليهود فقط ، أشهرهن،( رحلو، و فخريه قيجو، و جميله دنكر، و رمزيه الحلبيه، و حنينه بنت المجَديٌ)، و أخيرا في الثلاثينات ظهرت ،سلطانه يوسف، و لدت في الموصل عام 1910وهي تجيد المقامات بجداره، و تتقن طور البهيرزاوي، و الأبوذيات الريفيه، و العتابه البدويه، تزوجت، و اعتزلت الغناء في سن مبكر، اما سليمه مراد فقد ولدت عام 1905في محله الطاطران- شارع غازي، حصلت على لقب (باشا) من نوري السعيد رئيس الوزراء، كما اشادت بها ام كلثوم اثناء زيارتها للعراق عام 1935 بسليمه مراد بعد ان غنت امامها و سمعت صوتها ، و اشهر اغاني سليمه باشا و التي لا تزال تغنى و لا تنسى،( كلبك صخر جلمود ما حن عليه،، ويانبعه الريحان حني على الولهان،، وهذا مو انصاف منك غيبتك هلكد تطول،، والهجر مو عادة غريبه لا و لا منك عجيبه،، و ايها الساقي اليك المشتكى قد دعوناك وان لم تحضر،، و على شواطي دجله مر يا منيتي وكت العصر)، تزوجت سليمه مراد من المطرب ناظم الغزالي،و توفت عام 1974 ، كانت هذة العقود من السنين عصر ذهبي للشعب اليهودي في العراق، حيث انها فترات تمركز اقتصادي متميز، و رفاه اجتماعي متيسر، وتواصل طقسي ديني، و تكامل ثقافي، و تآخي انساني أمني مع القوميات الاخرى في العراق، لقد كانت اياما سعيدة هانئه آمنه مستقره،متناغمه مع حياتها الاعتياديه في ممارسه طقوسها واعيادها الدينيه، وقبل أيام من عيد( شعبوث ) المقدس تتهيأ العوائل اليهوديه لهذا العيد، حيث تقوم بغسل الاواني وتبييضها و تنظيف البيت و تعطيره، و ارتداء الملابس الجديدة و تعد شموع الشمعدان ذوالفروع السبعه تيمناً بشجرة نبي الله (موسى)و يقوم رجال من الحلاليه بذبح الدجاج حسب الطقوس اليهوديه، وعلى الشخص الحلالي النظيف المزكى ان يتأكد من سلامه ارجل واجنحه الدجاجه من الكسر، وعين الدجاجه من الامراض، وان يستعمل سكينه حديد نظيفه بيدة اليمنى، و يمسك جناحي الدجاجه ورقبتها بيدة اليسرى ويزح عنها بعض الريش ليرى القصبه الهوائيه و الشرايين، ثم يقوم بذبحها بأتجاة القبله، و بحضور شاهد على ان عمليه الذبح كانت حلال ، لكن هذه الفرحه لم تكتمل، ففي هذا اليوم 1/7/1941 بدأ الفرهود على اليهود، بعد ان هرب رشيد عالي الكيلاني رئيس الوزراء و قادة الجيش العقداء الاربعه الى ايران و ظلت بغداد بدون حكومه تحميها ونسب هذا التداعي الى اليهود وكانت الاذاعه الالمانيه و مذيعها (يونس بحري) تحرض الناس على الانتقام من اليهود و توصفهم بجواسيس الانكليز، فعم بغداد الهرج والمرج و انتشرت الاضطرابات و الفوضى و بسبب هذا الهيجان و التحريض قتل من اليهود 147و جرح450 بعد ان نهبت اموالهم و اغتصبت بناتهم، وحرقت محلاتهم، وعند عودة عبد الاله الى بغداد اعلن الاحكام العرفيه و اوعز للجيش ان يتدخل للسيطرة على الوضع في بغداد، و فرض استتباب الامن، و انهاء حاله النهب و السلب و الفرهود ، لقد مرت على الطائفه اليهوديه محن و ظروف مفجعه قاسيه انتابتها ايام مروعه مظلمه و حزينه، و للفرهود حكايات مثيرة و مفارقات و طرائف نادرة ، لقد كان في شارع النهر مخزن ( سوفير) الشهير يبيع السكاير الاجنبيه والمشروبات الكحوليه الاجنبيه، الوسكي، جاء احدهم بعباءته و ملأها بقناني الوسكي و في الطريق سقطت بعض القناني و انكسرت، فجلس يلملمها و شرب المتبقى منها في زوايا قعر القناني التي انكسرت، غلب عليه السكر فنام، وحين فاق من النوم وجد نفسه في مركز الشرطه !!، وآخر جمع طاقات من الاقمشه الرجاليه من دكان التاجر( خضوري أبو نعيم) في شارع النهر، وركنها في مكان امين بعيدا عن الانظار، وراح ثانيه الى الدكان للحصول على المزيد من الاقمشه و عند وصوله وجد الدكان فارغا من القماش، ثم رجع الى المكان الامين البعيد عن الانظار ليأخذ القماش فلم يجده !! ، لقد قيل الكثير من الاحاديث و المفارقات و الطرائف و النوادر التي رافقت ايام الفرهود، فقد استرسل قارىء المربعات و البستات( الملا علوان الدشتي) بمربع غنائي طريف يصف فيه الفرهود مطلعه،،،( حلو الفرهود كون يصير يوميه = تراجي من الذهب و أحلى زوليه = كومي هلهلي وينج يابدريه = حلو الفرهود كون يصير يوميه) ،،
|