السيد رئيس الوزراء ... البداوة السياسية لا تليق بزعيم أمة

 

 في كل الديمقراطيات المحترمة يتم التبادل السلمي للسلطة بكل هدوء واحترام ، وحينما يفوز الرئيس الجديد ولو بافضلية  صوت واحد تبدأ صفحة جديدة في العمل السياسي وتنتهي كل " حربكات" الحملة الانتخابية ويغادر الرئيس المنتخب كل مواقعه الفئوية والحزبية السابقة ويصبح رئيسا للامة يقود الحكومة وفق برنامجها السياسي الذي انتخبت من اجله ويستمع للمعارضة لتصويب ادائها .
   اما عندنا  فللاسف وبعد اكثر من 3 سنوات من مغادرتنا موسم الانتخابات لا يريد احد ان يغادر مواقعه ، فما زال الفائزون والخاسرون يتصرفون كقبائل وعشائر متناحرة مختلفة على كل الامور بدءا من الدستور وحتى تعيين فراش في وزارة ما مرورا بفقه زواج المتعة ورضاع الكبير والخلاف في جنس الملائكة . وهذه الخلافات من التعقيد بحيث لم يستطع لا العرف البدوي الفصل بينها لان مشاكلهم غير قابلة للفصل الودي ولا زيارات بايدن وكيري في زحزحتها . كما ان الديات المدفوعة  من دماء العراقيين المسفوحة في ساحات قتالهم لم توقفهم  في مواصلة الضرب ببعضهم فوق وتحت الحزام ، ومعاناة الشعب وبؤس حياته التي ردتنا الى العصر الحجري لم تثر فيهم الشفقة ولا اهتزت لها شعرة من شواربهم .. لمن لديه شارب بالطبع .
    الجميع  ، بلا استثناء لم يغادر منطق الجاهلية في خطابه وسلوكه ، فكل يسوق قبيلته  بسلوك بدائي بدوي بمعنى التعصب والانحياز الاعمى لجماعته وعدم نسيان الاساءة والتسامح والتصالح والانانية والثار الا بمقابل وعلى قول الشاعر ( وما أنا الا من غزية  .... ان غزت غزيت وان أرشدت أرشد ) . منطق البداوة هذا جعل هّم الحكومة أن تصور نفسها أنها من جنس الملائكة  المعصومة من الخطأ ، أما الفساد والازمات والتعثر في الاداء في كل المجالات .... فترميه على مؤامرات القبائل الاخرى المعادية - الحليفة والمعارضة .. وهي لدى قسم من هذه القبائل "عميلة ومتآمرة ونتنة وعدوة "تنفذ مخططات خارجية لتشويه سمعة الحكومة واسقاط التجربة الديمقراطية الفذة التي اصبحت تدرس في كلية جون هوبكنز للعلوم السياسية ، و هي لدى القسم الثاني "طائفية شعوبية تنفذ اجندات جارة شرقية تمارس الظلم والتهميش بحق الشعب. وفي المقابل .. لا تهمهم المعارضة بقصد الاصلاح وانما المعارضة من اجل المعارضة والتسقيط ليظهروا انفسهم بأنهم الاكثر وطنية ... في حين أن كلا الجانبين في الهوى سوا( وحسب قول المثل بيم حانا ومانا ضاعت لحايانا ) ، فلكل طرف اجندته الذاتية البعيدة عن هم وحياة الشعب مهما كانت الشعارات التي يتلطون خلفها. وسياسة البداوة  هذه هي لعمري اختراع ديمقراطي عراقي  جديد يعيد امجاد التاريخ المندثر .
  وما يهمنا أن السيد المالكي باعتباره رأس الدولة والشخص المنتخب لقيادة الامة وأن شرعيته في المنصب مستمدة من هذه الحقيقة لا من انتمائه الطائفي او الحزبي  ، فينبغي أن يكون اكثر حكمة وعدالة في تناول الامور وعليه ان يغادر اية مواقع ضيقة سابقة ويكون منفتحا على الجميع لا أن ينساق وينخرط بدوره في ممارسة سياسة البداوة اما لحسابات جانبية او بمشورات محازبيه أو بدافع من قناعات قديمة داخله من المفروض ان يكون الزمن قد عفا عليها لان الانسان يتجدد مع تجدد الحياة وتبدل المواقع والظروف . فانزواء رئيس الحكومة بدروب الكسب السياسي الضيق يبعده عن حقيقة تمثيله للشعب بكل اطيافه ويصغّر حجمه الى مجرد زعيم حزب سياسي صغير او زعيم من زعماء طائفة من طوائف الشعب الكريمة ، وعند ذاك يتبدد الفرق بين شخصية  زعيم الدولة وبين أي معمم  او سياسي غير كامل الثقافة يطلق الكلام من فوق المنابر على عنّاته او يتقصد الاثارة والفتنة اما تعصبا او جهلا او لغاية في نفس يعقوب ( وما ادراك مافي نفس يعقوب من غايات خبيثة ) .
   فلا تكن ياسيدي رئيس الوزراء أو على الاقل لا تصور نفسك بانك  "عدو " لجزء من شعبك فتنساق لوصفه مرة بالنتن ومرة بالعملاء ومرة ثالثة بالاعداء وتطلق التهديدات لاستثارة جزء من الناس في الحملة الانتخابية ... فمن الحرام استعداء فئات الشعب على بعضها مهما كان الشد والضغط كبيرين فالشعوب انما تعيش على المحبة والتسامح والتعاون وليس على التباغض والاستقواء .
   للشعب مطالب محقة في نظام قضائي نزيه وعادل ومحاربة الفساد واطلاق سراح الابرياء وفي اجراء مصالحة حقيقية بعد 10 سنوات من الثار والانتقام والانتقام المضاد وفي تخفيف المعاناة وتوفير الخدمات ، وهذه ليست مطالب فئة دون اخرى من شعبنا . وأن وجد في صفوف المطالبين من هو مندس وعميل ومتأمر وحتى " عدو " ( وهذا الامر لم يعد بالمستغرب فتطور الاوضاع في العراق خلال عقد اوجد بيئة خصبة لنمو هكذا طفيليات وهي ليست مقتصرة على مجموعة ذو انتماء معين دون اخرى ) ، فهل من الحكمة ترك هؤلاء يتسلقون  موجة الاحتجاجات ويقووا موقفهم بمماطلة الحكومة ، أم الواجب قطع الطريق عليهم من استغلال موقف الحكومة واخطائها في انشاء حاضنة جديدة للارهاب وفتح قنوات التدخل الخارجي الذي خبرنا ويلاته على كل المجتمع العراقي . بجلوسك الشخصي مع الممثلين الحقيقيين لممثلي الشعب والاستماع الى مطالبهم وتنفيذها بشكل عادل وبجدول زمني ستسحب البساط من كل المتصيدين في الماء العكر مهما كانت عناوينهم القبلية او الدينية او السياسية .
   كمواطن عراقي عابر للقومية والمذهب والطائفة  ، ارجوك يارئيس الوزراء : افعل ذلك حبا بالعراق ومستقبله ولا تسمح بأي مشورة او خلفية سياسية ومذهبية أن تؤثر في قرارك الوطني ... فمن السهل احياء الفتنة وصنع اعداء جدد ، لكن من الصعب اعادة وصل وا ينفصل في النسيج الوطني ... ولا تسمح لفتح ابواب جديدة لتبريرالعنف والارهاب فالعراق محاط مجنهم ملتهب ومايلزمنا الابتعاد عن نيرانها ان لم نستطع اطفائها لا ان نقترب منها او صب الزيت عليها . ولا تنس فان التواضع والتسامح  والعدالة صفات القادة الكبار وهو من يرفع من شأنهم ويديم ذكرهم في التاريخ وليس اي شيء اخر ، فهكذا كانت اخلاق النبي المصطفى ومن سار على نهجه فما احوجنا من ان نعود الى نبع مرجعيتنا المحمدية الصافية من اي خلط .