غياب الفكر النقدي يُحيل العقل الى صخرة‎

تختلف المعاناة باختلاف حجم المسؤولية و تعتمد على نوعية الفهم و طريقة التفكير ، بالوقت الذي نحاول فيه اخضاع الفهم الديني للتحليل و النقاش و المساءلة لكي يكون ديناً حقيقياً يتوافق و متطلبات الانسان و لكي لا يكون عثرة في طريق التفكير و التطور البشري ، يختنق العالم العربي و الاسلامي بغيوم ملبدة من التبريرات و المغالطات المشحونة ، و يتفوق عالمنا عن عوالم الكون من انه يدافع عن التاريخ اكثر من دفاعه عن المستقبل و يهتم بالأموات اكثر من اهتمامه بالأحياء و يتمسك بالمنهج القديم و يقدسه و يرفض اي خطوة نحو التقدم و يعتبرها انحراف عن الخط العام .الدين الذي عندنا لم يعد ديناً سماوياً بل اضحى ديناً أرضياً بامتياز ، فرغبة المجتهد و الفقيه و رجل الدين المنبري باتت واضحة في معالم الدين الأرضي ، ولذلك اصبح الدين مشكلة و لنكون اكثر دقة الفهم او القراءة  الدينية أصبحت خاضعة للمزاجية الفردية و ليس النظرة الدينية الروحية الخالصة .في كتابه الاخير ( نحو تاريخ مقارن للاديان التوحيدية) يشير الدكتور محمد اركون الى موضوع مهم وهو هل بالامكان اعادة قراءة النصوص الدينية الاسلامية وفق المنهجية العلمية الفيلولوجية ؟ و يعترف اركون انه عمل شاق جداً .فهم الاديان يكاد يكون واحداً لكنه فهماًمغايراً بطبيعته العامة ,لما يريده الله و غائراً بعيداً عن المعنى العام للإتجاهات السماوية و مرد هذا الفهم الغائر الى الفهم البشري و العقل الذي لم تكتمل دورته التجريبية . فالمسلمون اختلفوا إختلافاً ليس فيه رحمة بعيداً عن الموازين المعرفية او العلمية الابستملوجية , و تمسكوا ببعض الاراء و الاحاديث التي صبغوها بالتبرير لكي تحل محل الحقيقة . يبقى الفهم و الادراك البشري قاصراً في معرفة الحقيقة الالهية و يبقى الهذيان من قبل بعض الادعياء مستمراً من أنهم يملكون الاطلاق بتلك المعرفة .
الشريعة قدسية كاملة وإلاهية المصدر والمنشأ , أما فهم الشريعة فلا يتصف بأيٍّ من هذه الصفات، ولم يكن في أيِّ عصر من العصور كاملاً ولا ثابتًا ولا نقيًّا، ولا بعيدًا عن الخطأ والخلل، ومنشأه ليس قدسيًّا ولا إلاهيًّا، وهو ليس بمنأى عن تحريف المحرِّفين أو الفهم الخاطئ لذوي العقول القاصرة، وليس خالدًا ولا أبديًّا  ...
وإن أسئلة كلِّ عصر هي وليدة علوم ذلك العصر، ولا يمكن أن تطرأ على بال أحد قبل نضج العصر علميًّا. وبما أن العلوم تتجدد، فإن الأسئلة، وثانيًا الأجوبة، تتجدد. ومن هذا المنطلق، تبقى المعرفة الدينية في تجدد مستمر
و الحقيقة ان الاسئلة محرمة عندنا و الاجوبة باتت تبريرية ممعنة في الازدراء بالعقل و ملغية له , لذلك ولدت الغاية الاستمرارية للدين ميتة او كسيحة لا تقوى على الحراك . أسوء شيء فعله العقل الديني انه نصب نفسه المسؤول عن الله في الارض , فجار هذا العقل على الله و على عباده و بمراوغة إحتيالية زورت الغايات الكبرى للمقاصد السماوية و بُدلت الى منافع بشرية غايتها اشخاص معنين بعدما كانت غايات الله الانسان بالمطلق . أسوء شيء عندما يحاول البشر تقمص هيئة الله لكي يجيب باسم السماء يفتي و يقتل و يحرم و يحلل و ينهى و يأمر و يجعل فواصل و خنادق ملغومة لكي لا تعبر الناس الى الناس و لكي لا تحب البشرية بعضها البعض الاخر . في موضوع سابق كنت قد سألت 12 سؤالاً و عنونتها الى الله الواحد الاحد , كم من الاشخاص الذين حاولوا الاجابة على تلك الاسئلة؟
رغم أنها ليس لهم و ليس بمقدروهم الرد عليها لأنها تخص الخالق , من هنا نستطيع ان نكتشف ان تدخل البشر في المقررات الالهية كان و مازال قائماً ولن ينتهي . بعض الذين إطلعوا على الاسئلة وجدوها تمادياً او تشكيكاً في الخالق البعض الاخر قالوا انها حق بشري مضمون من الله , ليس المهم ماذا قيل المهم ماذا قال الله و ليس ماذا قال البشر .
الخلاصة : إنحراف الاديان عن المقاصد الالهية أدى لكي تنحرف الانسانية ايضاً
الزعم ان الله يحاول جعل الناس في دين واحد زعمٌ بطُل في اول صدمة مع العقل
الله يبتغي للناس الرقي و الاحترام الانساني و التقارب و التعارف بعضنا على البعض الاخر و ليس الجمود او استعداء الاخر الذي يختلف معي .
يبقى الايمان شعور داخلي ليس من حق اي شخص السؤال عن حجمه و مقدرته الفعلية .
 ليس الايمان بالمظاهر الخارجية او الادعاء الاجوف او الممارسات الممسوخة  .
يبقى الله للجميع ليس لفئة او قومية او دين او بقعة جغرافية خاصة
لا يجوز لأي دين او مذهب استخدام اسم الله لتمرير الاغراض البشرية الدنيئة او جعل مميزات معنوية او مادية لأشخاص دون سواهم .
الله لا يحتاج الى مؤسسات الجباية او الجداية لكي تقنع الناس ان هناك حق في أموالهم لله , وما ان يدفع المساكين أموالهم التي جلبوها من عرق جبينهم حتى تسقط في جيوب المنعمين و المزيفين .
لا يحتاج الله الى رجال دين لكنه يبتغي دين فعلي واقعي عند الرجال .
الفعل هو الذي يقرر مسارات الاشخاص , والفعل الذي نتوقعه لو كان الرسول يعيش في هذا العصر بالتأكيد سيستخدم جميع التقنيات الحديثة و سيغير معظم المفردات العبادية و طريقة الدعوة اليها و أكيد سيركب الطيارة و السيارة و سيكون عنده حساب على الفيسبوك مثلاً .
لا يحتاج الإله الى افواج من من المبشرين بل يحتاج الى أفواج من الفاعلين الحقيقيين لخدمة المشروع الانساني .
الدين الذي يريده الله ليس فيه لعن للاخر او قتل او استباحة الدم و المال و العرض .          
أسئلة اخيرة الى القارئ الحاذق
من اختار أسمك انت أم أهلك ؟
من اختار دينك انت أم أهلك ؟
من اختار مذهبك انت أم أهلك؟
هل فعلاً عرفت الله بالعقل أم ان أهلك لقنوك و قولبوك كيف يكون الله ؟
لاشك ان أغلبية الناس مساكين يدافعون عن اشياء ليس من اختيارهم ولم يبذلوا جهداً للبحث بها , و مع ذلك يصّرون على أنهم الحقيقة المطلقة . التأمل و التفكير بهذه الاسئلة أهم من الاجوبة .