لمعرفة اي مفهوم ومدى تأثيره على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لطبقة معينة، لابد من دراسة تأريخ ظهور وتطور ذلك المفهوم والاسباب التي ادت الى ظهوره وجعله ظاهرة اجتماعية ذات تأثير اقتصادي. مفهوم الخصخصة هي فلسفة ذات ستراتيجية اقتصادية لتحويل القطاع العام المملوك للدولة بما فيه قطاع الخدمات الى القطاع الخاص لشركات او افراد. ظهور مفهوم الخصخصة تعتبر بداية السبعينيات من القرن الماضي هي بداية ظهور مفهوم الخصخصة، والتي نادت بها قوى اقتصادية سياسية لتحرير اقتصادات الدول وتحويل نشاطاتها الى القطاع الخاص. وتعتبر تلك الفترة من اشد الفترات تنافسا بين معسكرين تصارعوا في فرض نظرية اقتصادية معينة، معسكر الاشتراكية المتمثل بالاتحاد السوفيتي وحلفائه من جهة (نظرية اقتصادية تحترم الانسان) والمعسكر الرأسمالي المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من جهة اخرى (نظرية اقتصادية تستغل الانسان)، وهي ايضا الفترة التي كانت رأسمالية الدولة مسيطرة على قوى الانتاج في الدول الغنية للمواد الاولية وخاصة مصدر الطاقة المتمثل بالنفط. لذا سعت الدول الرأسمالية الى تبني هذا المفهوم والعمل به للسيطرة على ثروات العالم وتوسيع اسواقها. الدعوة الى خصخصة اقتصاد العراق وبما ان العراق يعتبر من اهم مصادر الطاقة في العالم لما يمتلكه من ثروة نفطية هائلة، لذا سعت الدول الرأسمالية الى احتلاله والسيطرة على هذا المصدر المهم، وبهذا فأن اقتصاد العراق هو اقتصاد تابع وغير متحرر، ترسم سياساته حسب مصالح الدول الرأسمالية. بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية عام (2003) وتعيين بول بريمر حاكما مدنيا للعراق تبنى توجها اقتصاديا رأسماليا وهو تحرير الاقتصاد العراقي وتحويل نشاطه الى القطاع الخاص والاستثمار العالمي وهو نفس التوجهات للمؤسسات المالية والنقدية الدولية لتبني اقتصاد السوق الحرة، جاء هذا التوجه بحجة ما تعرضت له القطاعات الصناعية والزراعية من دمار وخراب، نتيجة الحروب التي قام بها النظام الدكتاتوري والحصار الاقتصادي الذي فرض عليه من قبل دول العالم، وما تعرضت له المعامل ومنشآت الدولة العراقية المختلفة من عمليات سلب ونهب واتساع مديونية العراق وخاصة للجارة الكويت نتيجة احتلالها من قبل النظام السابق. والملاحظ ان السياسات التي قامت بها الحكومات بعد عام (2003) ابتدءا من مجلس الحكم والجمعية الوطنية وصولا الى مجلس النواب المنتخب وكذلك القوى السياسية اليمينية المتمثلة في الاسلام السياسي والتيارات القومية اخذت على عاتقها الترويج لخصخصة اقتصاد العراق، بحجة عدم قدرة القطاع العام على تلبية حاجة الدولة في رفد الموازنة العامة نتيجة تهالك هذه القطاع وخاصة الصناعي منها وكذلك تجنب المديونية الخارجية، مما سبب جملة من الاثار الخطيرة التي ساعدت في الاسراع في تدمير القطاع العام وفتح الابواب على مصراعيها امام الشركات الرأسمالية للهيمنة على ثروات العراق، وبالنتيجة لابد من وجود جهة مستفيدة واخرى متضررة من هذا المفهوم. من هي القوى المستفيدة والمتضررة من مفهوم الخصخصة؟ في كل طرح لنظرية او مفهوم لابد من وجود جهة مستفيدة واخرى متضررة، وفي مفهوم الخصخصة ومن الواضح للعيان ان الجهة المستفيدة هي القوى الرأسمالية التي تمتلك المال والتي باستطاعتها الاستحواذ على وسائل الانتاج بكل سهولة ومرونة وبمساعدة السلطة التي تكون حارسا لمصالح تلك القوى على حساب مصالح الشعب والقوى الكادحة، لذا تعمل القوى المتنفذة في الحكومات العراقية على ايجاد وصفات جاهزة لاقتصاد البلد تستطيع من خلاله الاثراء، كما حصل عند تفكك الاتحاد السوفيتي وتفكيك القطاع العام وبيعه بابخس الاسعار من قبل المتنفذين في السلطة وهيمنة الشركات العالمية الكبرى على الثروات، وبالمقابل ستكون الجهة المتضررة هي الغالبية من الشعب والقوى الكادحة، اذ كان يشكل القطاع العام مصدر الحماية لتلك القوى. الخصخصة خيار ام فرض لهيكلة الاقتصاد العراقي يروج وبشكل يومي على ان خصخصة القطاع العام هو الحل الوحيد امام الشعب العراقي ولا خيار لهم للخروج من ازماتهم الاقتصادية الا القبول في هذا المفهوم والعمل به، في وقت يكون فيه الاقتصاد العراقي مشوه وغير واضح المعالم واحادي الجانب يعتمد على النفط الذي غالبا ما تتعرض اسعاره الى الانخفاض، مما يسبب ازمات اقتصادية كبيرة، مما ساعد ذلك الى علو صوت المروجين لهذا المفهوم من المؤسسات الرأسمالية والحكومات المرتبطة بها لتصفية اي دور للدولة وجعل القوى العاملة المرتبطة بهذا القطاع مجرد عمليات حسابية تحسب من اجل السيطرة والاثراء. ومن هنا نجد محاولة الحكومة العراقية وصقور الخصخصة الى السعي في خصخصة القطاع العام وبشكل خاص القطاع الصناعي وبشكل ممنهج، من خلال الدعوة الى خصخصة (72) شركة بحجة انها خاسرة ، مما سينعكس ذلك سلبا على الجوانب الاجتماعية للقوى العاملة في تلك الشركات لتسريح تلك القوى وتحويلها الى جيش كبير من البطالة. ومن هنا سيكون مفهوم الخصخصة فرضا على الاقتصاد العراقي لان الخيار الوطني هو في تحرير الاقتصاد العراقي من هذا المفهوم الذي وضعته القوى الليبرالية الجديدة ومؤسساتها الاقتصادية للسيطرة على ثروات البلد، وافقار شعوبها، وهذا ما تجلى بوضوح في ازدياد نسبة الفقر في العراق ووصولها الى 35% بعد عام (2003). الاثار الاجتماعية لخصخصة الاقتصاد العراقي لابد من اثار اجتماعية لشريحة كبيرة من الشعب نتيجة خصخصة القطاع العام وما يرافقه من رفع الدعم الحكومي عن تلك الشرائح، ومن تلك الامراض الناتجة الفساد ،الفقر، الدعارة، تعاطي المخدرات، وظهور العصابات والمافيات وتجار السلاح، وخير مثال على ذلك ما حصل للمجتمع السوفيتي بعد تفكك دولته وخصخصة القطاع العام. ما البديل؟ البديل هو ثورة كبيرة للنهوض بالقطاع العام ودعم القطاع الخاص المحلي من خلال: 1/ اعادة تأهيل المعامل والشركات وتطوير خطوط الانتاج في الشركات التي ما تزال تعمل كالصناعات الجلدية والنسيجية وشركة الالبان العراقية وغيرها، وتحويل شركات التمويل الذاتي الى المركزي. 2/ تحديث المكائن القديمة تماشيا مع التطور التكنلوجي وايفاد العمال والفنيين للتدريب عليها. 3/ حماية المنتج الوطني وذلك من خلال منع استيراد السلع التي تنتج في القطاع الصناعي العام والخاص، وفرض الضرائب وغلق الحدود امام تدفق السلع الرديئة وتفعيل عمل التقييس والسيطرة النوعية. 4/ الجانب الاهم ايجاد اسواق لتصريف السلع المنتجة من خلال اجبار الوزارات على شراء تلك المنتجات وخاصة وزارات الدفاع والداخلية والصحة. 5/ الاهتمام بالقطاع الزراعي لاعادة الحياة الى الصناعة الغذائية ومعامل التعليب. 6/ دعم القطاع الخاص الوطني ومنحه الاولوية في الاستثمارات المحلية.
|