تولي رجال الدين السلطة في إيران حدد طبيعة حكم البلاد بعد رحيل الشاه وحال دون وصول ممثلي قوى سياسية واجتماعية يلتقون سياسياً وفكرياً مع الاتحاد السوفيتي الى سدة الحكميكرس كشف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إي عن تعهدات زعيم الثورة الايرانية آية الله الخميني بحماية المصالح الأمريكية والسياقات التي جاءت فيها هذه التعهدات شكوكاً جرى تداولها خلال عقود مضت حول ملابسات وصول وبقاء نظام الملالي في سدة الحكم. تأكيد الوثائق المسربة على وجود قنوات سرية بين الخميني والإدارة الأمريكية وإعطاء واشنطن الضوء الاخضر لإنهاء حكم الشاه محمد رضا بهلوي وعدم ممانعتها في تسليم السلطة لرجال الدين ينسف أساسات الخطاب السياسي الايراني الذي يتعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها الشيطان الأكبر ويضع علامة استفهام كبيرة على تاريخ الثورة الإيرانية التي يقدمها رموزها لشعوب المنطقة باعتبارها مشروع تحرر من سياسات النظام السابق وتحالفاته التاريخية مع الغرب. الأهم من هذا وذاك أن الوثائق المصنفة سرية تجد لها مكاناً في تفسيرات ومسارات تاريخ المنطقة الذي جرت العادة على أن لا يكتمل دون مراسلات بين سفارات وعواصم غربية تقتنيها وزارات الخارجية وأجهزة الاستخبارات ويتم الكشف عنها بين حين وآخر . خلال تقصيهم لتاريخ المنطقة المكتوب وغير المكتوب ـ قبل الكشف عن الوثائق الاخيرة ـ لم يغفل المؤرخون عن عدد من النقاط التي يرونها ضرورية لتحديد مقدمات وظروف سقوط نظام الشاه وصعود الملالي بقيادة الخميني الى سدة الحكم . بين هذه النقاط الأوضاع التي كانت سائدة في إيران قبل الثورة حيث حالة الغليان الشعبي التي تهدد بانهيار نظام الشاه ودور القوى العلمانية فيها سواء يسارية أو وطنية متأثرة بتراث الزعيم الوطني محمد مصدق وتقاطعات العامل الداخلي الإيراني مع الظروف الدولية حيث كانت الحرب الباردة على أشدها . يعني ذلك بطبيعة الحال أن تولي رجال الدين السلطة في إيران حدد طبيعة حكم البلاد بعد رحيل الشاه وحال دون وصول ممثلي قوى سياسية واجتماعية يلتقون سياسياً وفكرياً مع الاتحاد السوفيتي الى سدة الحكم . ولا يخفى على قراء التاريخ المعاصر الانعكاسات السريعة للثورة الايرانية في المنطقة العربية بدءاً من انكسار مشاريع قوى وتيارات التحديث العربي بمختلف تلاوينها الفكرية أمام المد الديني ومروراً بظواهر السلفية السنية التي اتسع حضورها رداً على الإسلام السياسي الشيعي وحالة التوتر الإقليمي التي صاحبت تهديدات الملالي بتصدير ثورتهم الى دول المنطقة . تطابق المكتوب واللامكتوب، المعلن والمخفي، التسريبات الاخيرة وتسريبات أخرى محتملة يوحي بوجود تفاهمات غير معلنة بين النظام الايراني والإدارات الامريكية المتعاقبة على كبح نزعات الحداثة في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول ما اذا كانت العلاقة بين واشنطن وطهران مبنية على رؤية مرتبكة لـ "زواج متعة" أم "تناغمات" تتعثر محاولات السيطرة على مخرجاتها، كما يأتي بعض أهمية الكشف عن المستندات من توقيته لا سيما وأنه يتزامن مع اتهامات طهران للغرب بالخروج على ما بات يعرف بالاتفاق النووي.
|