انتخابات أم احتجاج رمزي ؟ |
نصف الناخبين المسجلين فقط شاركوا في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت امس ، وهو تحذير واضح من الناس للقائمين على العملية السياسية ، شعور بالاحباط واليأس وتكرار للسؤال : ماذا قدموا لنا ؟ سؤال ممل ، كل طرف يجيب عنه بشكل مختلف ، ولكن الجواب الشعبي الشائع هو : لم يقدموا لنا شيئا ، وجواب الشعب معيار حتى لو انطوى على ظلم للحاكمين ، مقهى الحي مزدحم بلاعبي الدومينو ومدخني النارجيلة في ظهيرة يوم الانتخابات ، منهمكون في موضوعات أخرى غارقون في الضجيج ، لا أحد منهم يفكر بالذهاب الى المركز الانتخابي الذي يبعد عن المقهى مئة متر ليدلي بصوته ، وكأن الانتخابات تجري في بلد آخر ! العاصمة حققت النسبة الادنى في المشاركة وهي 33% رقم له اكثر من معنى خاصة وان العاصمة تمثل طليعة البلد وعيا وموقفا ، انه احتجاج رمزي لاهالي بغداد ، تجاه الانتخابات والدولة والحكومة والعملية السياسية ، انه فقدان ثقة بالسابقين واللاحقين على حد سواء ! الجمهور تقدم خطوة في وعيه فهو يرفض الوعود ، ولا يصدق اي تبريرات للفشل ، ويبحث عن حلول سريعة ، ويتهم اغلب الاطراف السياسية بالفساد ، حتى يبدو اصلاح سمعة القوى السياسية الحالية مهمة في غاية الصعوبة ، الجمهور ليس أميا بل يمتلك معلومات هائلة ، بوجود شبكات الاعلام وتبادل الرأي لم يعد بالامكان مخادعة الشعب واقناعه باكاذيب وارقام مزورة ، الناس يعرفون بدقة حجم الموارد النفطية للبلد ، وحجم الموازنة ، وحجم الفشل في عمل الدولة ، ومستوى الفساد والمحسوبية السائدة ، ويعرفون بالاسماء تلك الدول التي لا تملك اي مورد اقتصادي وهي مع ذلك افضل عيشا وعمرانا من العراق ، الناس يعرفون كل شيء ، ولم يعد هناك عراقي يخاف من الحكومة او الاحزاب ، ولم يعد احد مستعدا للتملق للرئيس او الهتاف باسمه ، لا يمكن اعادة الناس الى الوراء وقد تحقق هذا المستوى من الوعي ، لكن للاسف يقابل هذا النمو في الوعي الشعبي تراجع في ثقافة الرئاسات والنواب والوزراء وكبار المسؤولين ، فهم مازالوا يتصرفون بمنطق الامبراطور ، ما زالوا غارقين في اوهام الوجاهة ، والبحث عن التصفيق والتملق وقصائد المدح ، ما زال المسؤول يعتقد خطأ بأن بمقدوره ان يفعل ما يشاء ، ما زال يعتقد ان بامكانه التصرف باموال البلد كيفما يريد ، وان يخص بها من يشاء من ذويه واقرباءه واصدقاءه ، ومن يعترض فهو خائن وعميل ومتمرد ، تخلف ساسة البلد اخلاقيا سيؤدي الى انهيار الديمقراطية ، هذه الانتخابات محبطة ومثيرة للمخاوف ، خاصة وان 12 محافظة فقط هي التي اشتركت ، ثم تأجيل انتخابات اقليم كردستان لا نعرف المبررات ، وتاجيل لاكبر محافظتين اخرى ، تأجيل يؤدي في النهاية الى ترسيخ حالة التجزئة ، والايحاء تدريجيا بأن هناك اوضاع مختلفة في بلد غير متشابه في ظروفه ، تقزيم للحالة الاتحادية ، تآكل مفهوم الوطن الواحد عبر الزمن وتطبيع التشرذم حتى يصبح معتادا ، ايضا اسهمت الانتخابات بهذا الشكل في حصر التنافس والصراع بين مواطني مكون مذهبي واحد يقابله عدم وضوح صراع مماثل في المذهب الآخر لانه يدور في مناطق مختلطة ، هذه المعطيات تؤشر تراجعا عاما في العملية السياسية ، لكن ضمن مواقف الجمهور الواعية تصاعد نسبة الذين اعطوا اصواتهم للكتل غير المشتركة في الحكومة والتي مازالت صفحاتها بيضاء من التهم هربا من اصحاب الصفحات السوداء او الرمادية ، القوى الجديدة التي ستدخل مجالس المحافظات يعول عليها في اعادة الثقة بالنظام السياسي الجديد في العراق والاستمرار في ازاحة القوى الفاسدة بالتي هي احسن . |