نحو طفولة عراقية أفضل


مقارنة بسيطة اوردها في بداية مقالي هذا بين زمنين عاشته طفولة الاجيال العراقية . بين نقيضين كانا يسيران دائما بخط مستقيم متوازي يرجح كل منهما على الاخر في بعض الاحيان . تتسابق فيه القيم والأخلاق النبيلة المتوارثة في العائلة جيلا بعد جيل وكانت الناس تعيش بقيم روحية إنسانية سامية لا قيم مادية انية تافهة ووسخة ...كانت العائلة العراقية تعيش ببساطة وهدوء وتشعر بالأمان والرضا لماكتب لها الله وقانعة بقدرها...بينما حياة اليوم يسودها العنف الحاقد والضوضاء والفوضى والصخب والجنس وامتصاص الدماء واكل لحوم البشر ..

وبالرغم من التقدم العلمي الحضاري والثقافي ...والذي نشاهده على شاشات التلفزيون .. يوما بعد يوم وصورة مستقبل الشعب والمجتمع العراقي تزداد قتامة وسوداوية في نظري الشخصي وكما يبدو لي ان لا أحد يهتم لذلك بسب فقدانهم للحس الوطني الذي عشناه أيام زمان ..فلا الحكومة ولا الأحزاب الدينية ولا المؤسسات والمنظمات الإنسانية الاجتماعية والقانونية تلتفت لواقعنا المؤلم وحتى لايهتمون بهيئات الأمم المتحدة عندما تحذر وتنبه لواقع الطفولة في العراق ...كان الامر لايعنيهم و لا احد يستجيب للنداءات الإنسانية التي تتعالى هنا وهناك ..

وللأسف يلاحظ حتى المؤسسات الدينية كلها وبلا استثناء ولكل الأديان والطوائف والملل تخلت عن دورها التربوي الحقيقي في بناء الانسان وتحولت الى مؤسسات دعوية ظاهرها ديني وباطنها سياسي وفي خدمة اهداف دنيوية سلطوية سياسية لا علاقة لها بالجوهر التربوي للإنسان الصالح .

اليوم نجد الكثير من التسميات تطلق على توصيف المجتمعات ..كمجتمع ذكوري او مجتمع حضاري او مجتمع متخلف او مجتمع متدين وتعتمد تسمية المجتمعات على الصفة الغالبة لكل مجتمع ..اما ما سأطلقه على مجتمعنا العراقي فهو مجتمع طفولي لان الغالبية العظمى من مكوناته هم من الأطفال ...حيث ان نسبة الأطفال فيه تعادل اكثر من النصف مقارنة بالبالغين .ولاثبات هذه الحقيقة المؤلمة لاتحتاج الى احصائيات ودراسات علمية بقدر ماتحتاج الى نظرة واقعية الى واقع الاسرة العراقية ..

أي مجتمع يتكون من عوائل والعائلة تتكون من ام واب وأطفال وبما ان كثرة الأطفال في المفهوم السائد عند الابوين هو الشائع ..انطلاقا من مفاهيم اجتماعية اكل الدهر عليها وشرب ...مثل ( الأطفال عزوة للام والأب ) و ( الطفل يجي ورزقه وياه ) و والبعض من المسلمين يردد حديث منسوب لرسول الرحمة يقول ( تكاثروا فانني غدا اباهي بكم الأمم ) و ( الأطفال بالبيت زينة ) ومن هذه الاقوال الكثير ...ولكن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي اليوم يؤكد عكس ذلك ...فما كان صحيحا بالأمس ليس بالضرورة هو صحيح اليوم ..العيشة أصبحت هي من تفرض نفسها وليست الكثرة ...فما فائدة ان ننجب عشرة او عشرين طفلا ونرميهم بالشارع والمزابل كما نراه يوميا ؟؟؟

وقفة سريعة يجب ان ينتبه لها المواطن العراقي ولاسيما المثقفين والشباب منهم ممن يريد تكوين اسرة جديدة ...اقول لهم ..الزمن قد تغير ...الاخلاق والقيم الاجتماعية قد تغيرت ...الواقع الاقتصادي مزري ..الواقع التعليمي مخجل ...الواقع الصحي محزن ...حتى الامراض تنوعت وكثرت ...الاطفال تمرض ولايفيد بها العلاج وعندها الطبيب يعزيها لحساسية لا احد يعرف أسبابها ..

او بسبب الحروب والفتن المتواصلة منذ نصف قرن ..القتل والخطف والاخفاء القسري للأبرياء وحتى على الهوية اصبح مشرعنا" .تجارة الأعضاء البشرية ولاسيما للأطفال أصبحت تجارة رائدة ..الشذوذ الجنسي والمثلية أصبحت ظاهرة شرعية ...الفساد الأخلاقي وتجارة الجنس والبغاء اصبح مهنة شائعة للمعيشة ...

تشريد الملايين وغالبيتهم من الأطفال من بيوتهم وديارهم اصبح من المناظر المألوفة بوجوههم التعبانة وثيابهم الرثة والتي نراها يوميا من تهجير قسري ونزوح جماعي ...غرق الاف الأطفال في البحر بسبب الهجرة والهروب نحو الغرب ...اصبح واقعا اعتياديا ولا يحرك ضمائر الناس ..

كل هذه الماسي الإنسانية ...تؤكد ان الضمير الإنساني قد مات او خدر بكل أنواع المخدرات القاتلة والتي لم يكن مجتمعنا العراقي يعرفها او حتى لم يسمع بها كالحبوب المخدرة والتي يقال انها تباع حتى على تلاميذ المدارس ويقال ان البعض من كبار الساسة يروج لها ...والادهى من كل ذلك ...هو غياب القانون الرادع ...والقاضي النزيه والعادل والإرادة في الإصلاح ...

واليوم يعيد جرس الإنذار دقاته لينذر الجميع الى مستقبل مجهول ...الطفولة في العراق مهددة ...والمجتمع العراقي يهرول نحوا الهاوية ..واقول لساسة وقادة المجتمع ورجال الدين وشيوخ العشائر ..ان شعارات الإصلاح والتغيير والتكنو قراط والجدل حول قضايا تاريخية دينية طائفية فتنويه لاتسمن ولا تغني عن جوع .,وهذه السجالات والنزاعات التي تحدث اليوم على ارض العراق لن تعلم الطفل حرفا او تنقذ حياة طفل مصاب بالسرطان بسبب اليورانيوم المنضب ...او تركبه سيارة دفع رباعي مدرعة بدلا من ان يمشي حافيا ...

هذا الواقع الذي عشناه طيلة سنوات افرز ملايين الايتام وملايين الارامل فالكثير منهن أمهات بسبب لفقر والحرمان فقدن حنان الامومة المقدسة لتترك اطفالها بلا حنان وكثير من الأمهات عجزن عن اعالة اطفالهن فأرسلتهم للعمل رغم صغرهم او للاستجداء في الشوارع او بيعهم ...والامثلة المأساوية كثير ولاتعد ولاتحصى ....

اطفال العراق حالة إنسانية خاصة وهم بحاجة ماسة الى قوانين حماية لحقوق الطفل العراقي خاصة .


وفي ختام ندعو الجهات الحكومية ومجلس النواب الى الاهتمام بقطاع الطفولة عبر زيادة التخصيصات المالية لهذا القطاع،والعمل على وضع استراتيجيات واضحة المعالم طويلة الامد لكي تساهم في النهوض بواقع الطفولة، كما ندعو مجلس النواب العراق الى خلق البيئة التشريعية الملائمة والتي تساعد الحكومة على تنفيذ برامجها الخاصة بالطفولة، فيما نؤكد على دور منظمات المجتمع المدني باعتبارها حلقة الوصل بين المواطن والجهات التنفيذية عدا دورها المهم في خلق وعي عام بحقوق الطفل وواجبات المجتمع بضرورة حماية هذه الحقوق وصيانتها ولا نذكر فقط اليوم العالمي للطفولة وانما ندعم اطفال العراق من جميع الجوانب الذي يحتاجها الطفل العراقي لاانهم جيل المستقبل .